في العودة إلى صفقة القرن من منظور أسئلة ما بعد السابع من أكتوبر!
سامح المحاريق
هل ما زالت صفقة القرن ذات صلاحية للاسترشاد وتوقع الخطوات المقبلة التي سيضعها الرئيس الأميركي المنتخب (من جديد) دونالد ترامب ضمن خطته لإنهاء الحرب الجارية في قطاع غزة، وعلى أكثر من جبهة حاليًا؟
عمليًا، يجب الفصل بين إنهاء الحرب بوصفه توجهًا لدى الرئيس أعلنه أكثر من مرة في حملته الانتخابية، وبين الصفقة بوصفها رؤية لتسوية القضية الفلسطينية، بمعنى أن أحداث السابع من أكتوبر كانت تدشن مرحلة تاريخية جديدة، أعادت إسرائيل إلى ممارسة الابتزاز واسع المدى بالحديث عن معاداة السامية واستغلال كل فرصة لتبدو كدولة مهددة، وجزء من الفرضية التي تستند لها صفقة القرن يتعلق بجهود التطبيع التي أتت بموازاتها لتظهر إسرائيل بوصفها كيانًا طبيعيًا يمكن قبوله في المنطقة، وهو ما يكاد ينتفي حاليًا.
الظروف الموضوعية غير مواتية للتفاؤل الذي كان يحمله الرئيس ترامب في ولايته الأولى بتمرير أسلوبه في عقد الصفقات على قضية معقدة وبالغة الحساسية، وهو نفسه تحدث، ولو في السياق اللبناني، عن ضرورة وجود حلول مستدامة لا تتسبب في العودة للتصعيد كل خمس أو عشر سنوات، وهذه نقطة ربما ترجعه لقراءة مفردات الصفقة مرة أخرى، ليدرك أنها في حد ذاتها غير قابلة للاستدامة، ولا يمكن قبولها بالصيغة السابقة.
في إطار الاستراتيجية الأميركية للظهور بموقف من يريد إنهاء الحرب ويتفاعل مع الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، كان الحديث بصورة مستمرة عن دولة فلسطينية يمكن أن تستوعب إدارة شؤون الفلسطينيين، ولكن إدارة بايدن لم تتقدم بأي مقاربة واقعية لتحقيق ذلك، وهو ما أدى إلى جملة من المقترحات التي أصبحت في حد ذاتها، دافعًا من أجل تصعيد الأوضاع، لأنها لم تكن مقبولةً من الفلسطينيين في القطاع، ولا من الحركات التي تستحوذ على القرار ميدانيًا، ولكن هذه الكلمة لم تفقد تأثيرها بوصفها مدخلًا لأي حل مستقبلي، وتبنتها العديد من الأطراف، لتصدر وزارة الخارجية السعودية بيانًا واضحًا يربط أي حديث عن تطبيع محتمل بوجود الدولة الفلسطينية، والربط السعودي يعني أن شكل الدولة سيكون جزءًا من قرار عربي ستكون السعودية طرفًا جوهريًا في صياغته، ولا سيما أن آخر مبادرة فعلية للسلام أتت من السعودية قبل أكثر من عشرين سنة.
في الخطة الأصلية أتت المشكلة في رغبة ترامب بمنح الجانب الإسرائيلي مزيدًا من الأرض، وذلك من خلال شرعنة وتعزيز الاستيطان، وما يبدو واضحًا، ولعله ما يجري تنفيذه على الأرض، هو العمل على منح مناطق (ج) للجانب الإسرائيلي، وهي تشكل أكثر من 60% من الأراضي في الضفة الغربية، بما يجعل أي دولة قائمة على ما تبقى من الأرض، مجرد معازل سكانية مقطعة الأوصال، وبالتالي، فالمبادلة تطرح نفسها بأرض في مناطق النقب، مع التخلي عن بعض المجتمعات العربية في (إسرائيل) لتصبح جزءًا من الدولة الفلسطينية، فهل يمكن أن يكون ذلك مقبولًا للفلسطينيين؟
هل تعتبر هذه الدولة الرمزية كافيةً في هذه الحالة؟ وهل تتوافر على مقومات الحياة، أما أنها ستتحول إلى تجمعات طاردة سكانيًا، وسيتم توفير فرص الهجرة لسكانها، والإبقاء على مؤونة بشرية يمكن أن تندمج في الاقتصاد الإسرائيلي الذي يعول الأميركيون على انتعاشه بعد إجراء الترتيبات اللازمة في المنطقة؟
هذه المشكلة واجهت ترامب للدرجة التي دفعته بعرض هذه الدولة بأكملها للإدارة الأردنية، وكان الرفض الأردني واضحًا ومباشرًا ومن غير تفكير، فالأردن لا يريد الضفة الغربية بأكملها، فكيف يمكن أن يرتضي بهذه القصاصات المكلفة، وتحت أي مسمى أو مبرر يمكن أن يسوق ذلك محليًا في ظل وجود توافق واسع على مستوى النخبة السياسية في الأردن على دعم مشروع دولة فلسطينية مستقلة، ينهي عمليًا حالة قانونية معقدة لعلاقة الأردن بالضفة، ويمنح الشعب الفلسطيني جانبًا من حقوقه، ومن أهمها تقرير مصيره.
شكل الدولة الفلسطينية ومحتواها سيكون ملفًا أردنيًا ساخنًا، ولكن لا يمكن التراجع عن المبدأ تفاوضيًا على الأقل، وعند الحديث عن عودة مشروع التطبيع المرتبط برؤية اقتصادية كاملة للمنطقة، سيتعرض الأردن لضغوطات كبيرة لتجنب أن يظهر في صورة الطرف المعرقل للترتيبات التي سيحاول ترامب دمجها في إنهاء الحرب، وبالتالي، عداد الموت المفتوح في الأراضي الفلسطينية وحتى اللبنانية، والمطلوب في المرحلة الأولى هو الفصل بين الموضوعين، بحيث يكون إنهاء الحرب أولوية جوهرية، يتم بعدها العمل على إنتاج صوت فلسطيني يشكل توافقًا وطنيًا ويمتلك الشرعية الكافية ليحظى بمساندة عربية، وبذلك، فإزاحة الفلسطينيين ستكون غير ممكنة في المرحلة التفاوضية اللاحقة.
هذه الأرضية ضرورية للغاية، ولكن ليس الأردن أو السعودية أو أي طرف آخر، يمكنه أن يعمل على القيام بهذه المهمة نيابةً عن الفلسطينيين، ولكن التدخل في تهيئتها أمر يجب ألا يحاوطه التحفظ أو الترقب السلبي، خاصةً من الأردن الذي يفضل أن يسبق بخطوة في المشاركة الداعمة لصياغة توافق فلسطيني يمكن أن يدخل في مرحلة مبكرة، بحيث لا يمكن تجاوزه لاحقًا، ويتحمل بالتالي، القرارات الصعبة والمعقدة المقبلة، والتي أصبحت متعلقة بصراعات أوسع وأعمق على مستوى الإقليم والعالم.