“بترٌ بالمشِرط وكسر عظم”.. مشهد مروع من مجزرة الشجاعية!

أخبار حياة – ركض مصطفى بصعوبة صوب جسد مؤمن المحتجز أسفل حزام أسمنتي، تتصاعد أنفاسه بصعوبة وعينيه تنظران إلى الجسد المعلق، تتطاير الدموع وتعلوا الآهات ليتحول المكان لبركة من الدماء، وفجأة ينطق أحدهم: “دكتور يا بتترك مؤمن يموت يا بتقص رجله بسرعة، فش وقت!”.
هذا المشهد ليس خيالا أو فيلم أكشن أو رواية أدبية، إنما واقعا يتكرر يوميا في قطاع غزة، كان مؤمن أبو عمشة معلقا تحت حزام أسمنتي بعدما تعرض منزله في حي الشجاعية لقصف إسرائيلي عنيف بالبراميل المتفجرة أدى لاستشهاد أكثر من 40 مواطنا غالبيتهم من الأطفال والنساء، وإصابة وفقدان العشرات تحت الركام.
تدور عيني الحكيم مصطفى أبو الكاس (33 عاما) بين جيرانه الغاضبين متعجبا ومترددا، لتصيبه رجفة شديدة بجسده: “يا جماعة أنا لست طبيبا جراحا ولا أملك أدوات للبتر، علاوة على ذلك في حال بترت قدم مؤمن وكتب الله له الحياة كيف سأنظر إليه بعدما يتماثل للشفاء؟”.
صرخ أحدهم بصوت مرتفع: “إذا لم تبتر قدمه ستكون مشارك في قتله!!”، شعر الحكيم أبو الكاس بالمسؤلية ليردد آخر: “حاولنا انقاذه منذ نصف ساعة؛ لكن دون جدوى الحل الوحيد بتر قدمه ونقله للمستشفى ليتلقى العلاج قبل أن ينطق بالشهادة”.
لم يجد الحكيم أبو الكاس بدا سوى الاستجابة لصرخات جيرانه وأنين مؤمن، تقدم بحذر أسفل السقف الأسمنتي المنهار وتراجع قائلا: “لا أملك أدوات”، فورا جلب أحدهما “مشرط” وقال “استخدمه”، مد الحكيم يده المرتجفة مترددا، واتجه لتنفيذ المهمة الأصعب في حياته.
مرر الحكيم المشرط على قدم مؤمن وبدأ يشق الجلد قائلاً: “كل ما اجرح الجلد كانت السكين تقطع قلبي واصرخ مع آهات وأنين مؤمن الذي أمسك برقبتي وعينيه كانت تعذبني كلما نظرت إليها”.
لم تكن حكاية الحكيم مصطفى أبو الكاس ووصوله لموقع المجزرة بهذه السهولة فقد كان عائدا من دوامه بالمستشفى، ليتفاجأ برغبة والده بالتوجه إلى الشجاعية ليطمئن على منزله الذي نزح منه، حاول اقناعه دون فائدة.
بعد دقائق قليلة تواصل مصطفى مع أحد جيرانه، وما أن وصلت عقارب الساعة نحو التاسعة والنصف صباح الأربعاء الماضي حتى انقطع الاتصال مع دوي انفجار عنيف في الشجاعية: “ألو محمد ألو وينك ألو.!!”.
دب الرعب في قلب مصطفى وركض مسرعا صوب الانفجار وهناك كانت الصدمة: “أجساد ممزقة، أشلاء متناثرة، دمار واسع، آهات وصرخات تخرج من تحت الركام، رائحة البارود تفوح من كل مكان، كلما خرج أحدهم من وسط الدخان المتصاعد توشح جسده بالغبار والدخان الأسود، كان المشهد صعبٌ جداً”.
تعثر الحكيم مصطفى بين أكوام من الحجارة المدمرة ليجد جاره يبكي بحرقة يقول: “قبل الانفجار بخمس دقائق دخلت زوجتي وأولادي بالبيت وخرجت ابحث عن طعام”.
يبكي جار الحكيم بشكل هستيري بعدما أصيب بالصدمة، عندما شاهد منزله كومة من الحجارة وأسرته في الأسفل، “من الصعب بل من سابع المستحيل العثور على أحياء تحت الركام”.
دقائق قليلة قبل أن يستنجد أحدهما بالحكيم مصطفى أبو الكاس: “مؤمن أبو عمشة جارك معلق تحت حزام اسمنتي الحق دكتور انقذه”.
فورا توجه الحكيم مصطفى للمكان ليجد جسد جاره المصاب في رأسه ما زال معلقا ولم تتمكن طواقم الدفاع المدني من انقاذه لعدم توفر المعدات اللازمة لإزالة الركام.
كان الموقف صعبا جدا؛ فاللغة بين الحكيم والمصاب كانت عبر الدموع والأنين فقط؛ وعندما انتهى الحكيم مصطفى من قص اللحم واجه مشكلة أخرى تتمثل بعظمة القدم، وهنا اضطر بالاستعانة بأحد رجالات الدفاع المدني.
استغرقت أعقد عملية جراحية تحت سقف المنزل المدمر نحو دقائق معدودة.
“كُسرت العظمة بصعوبة وكسر قلبي، وبسرعة قدمتُ له الاسعافات الأولية ونُقل مؤمن للمستشفى، وكان بحالة حرجة جداً”هكذا قال الحكيم مصطفى بعدما أنهى العملية وأسند ظهره على الحجارة المدمرة بحالة يرثى لها.
لم يكن تأثير العملية الجراحية لمؤمن مرحلي بل بات كابوسا يلاحق الحكيم مصطفى في مناماته ويقظته: “في كل لحظة تمر عليَّ أشعر بالصدمة وبالوجع والألم الشديد ولم يغب المشهد من أمامي قط”.
ساعات قليلة مرت على الحادثة المؤلمة لمؤمن، قبل أن يعلن الأطباء في مستشفى الأهلى المعمداني بغزة عن استشهاده متأثرا بجراحه نتيجة المجزرة الإسرائيلية بحي الشجاعية.
ويحمل الحكيم مصطفى رسالة للعالم أجمع بعدما حاول انقاذ جاره مؤمن، لافتا إلى أن صمت العالم على المجازر الإسرائيلية بحق النساء والأطفال وشعبنا في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 شجع إسرائيل على مزيد من الجرائم، رسالتنا يجب أن تتحركوا وتوقفوا الدم وتقدموا الأدوات اللازمة للجرحى والمرضى وتدخلوا المعدات الثقيلة لإنتشال ما تبقى من الجثامين تحت الركام”.
اكتشاف المزيد من أخبار حياة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.