مقالات

مثياق وطني جديد لأسئلة صعبة قادمة

سامح المحاريق

إن لم يكن الآن فمتى؟ هل نستبقي تعايشنا مع المناطق الرمادية في خطابنا السياسي والاجتماعي في حالته التي يمكن أن تنتج استقراراً ولكنها ستقف دوماً دون التقدم المنشود؟

لماذا تنشغل نخبنا الحقيقية المؤسسة معرفياً وفكرياً بما يحدث في دمشق أكثر مما يجري في عمان، وذلك بعد ان استهلكت مرحلتي القاهرة وبغداد؟ هل لأنه تمرين مجاني لا يستتبع مسؤوليات عملية؟ أم لأن لهم جمهور يتلقى مقولاتهم بحماسة تغريهم أمام سلبية التلقي لدى القطاع الأوسع من الجمهور الأردني؟

ولماذا ينصرف الجمهور الأردني عن التعامل مع المنتج الفكري للمحللين السياسيين؟ هل لاستغراقهم في التكرار وفي تقديم نفس المواضيع، ولإدمانهم المراوحة في المساحات الآمنة؟ أم لأن الجمهور يدرك أنهم يمررون رسائلهم الخاصة في معظم الوقت؟

هل نكتفي بهذه المتتالية من الأسئلة؟ على الرغم من إغرائها يجب التوقف في هذه المرحلة لنقد فكرة تغيب وجود نظرية سياسية–اجتماعية تتعلق بالأردن بوصفه دولة تخطت مرحلة التطور التأسيسي تجاه النضج والتأثير.

كانت أعمال سعد جمعة آخر مساهمة حقيقية يمكن أن توضع قريباً من أعمال جلال أمين وأحمد بهاء الدين في مصر، عبد الكبير الخطيبي في المغرب، علي الوردي في العراق، وغيرهم ممن عملوا في البحث عن السلطة والمجتمع في المنطقة العربية، وبعد ذلك خرجت مشروعات تقدمت بالنتائج قبل أي بحث وعملت على مصادرة الفرضيات لمصلحة بناء رؤية خاصة بها، وهو الأمر الذي أنتج حالات استقطابية، حالات لم تستطع أن تمنح الأردنيين جميعاً أرضية مشتركة ليفكروا داخل ممكنات الحالة الأردنية من غير القص واللصق داخل الأردن، أو قص الأردن ذاته للصقه في مشروعات عقائدية دينية أو قومية تتجاوزه.

أنتجت الحالة الأردنية خطاباً إنشائياً تولى كثير من الكتاب تأسيسه وتركيم الكلام والشعارات داخله، حيطنا مش واطي مثلاً، وهي المقولة التي كانت تستهلك محلياً من غير أن تلقى صداها خارج الأردن، فالأردن يكاد يفتقد للأصدقاء في الإعلام العربي، وخاصة الصحافة، والأردن هو البلد المضياف جداً لمن يبحثون عن السياحة من الإعلاميين والمفكرين العرب ممن يبحثون عن السياحة لا البحث ولا النقاش ولا التفكير.

لا في الداخل يسمعون، ولا في الخارج يكترثون.

هذه حالة غير صحية، فالأردن دولة ناضجة، الأردن بين أقدم الدول العربية ظهوراً على المسرح السياسي الدولي، والأردن أمامه ملفات ثقيلة تتعامى عنها العديد من الدولة الصديقة والشريكة في حالة من الإنكار على الرغم من أن كثيراً من الأمور التي كانت مستبعدة قبل أشهر قليلة أصبحت واقعاً معاشاً اليوم.

الميثاق الوطني، تدبير أردني طبقناه مرتين، الأولى سنة 1928 أمام الوصاية البريطانية، والثانية، بعد حرب الخليج الثانية وبموازاة مفاوضات السلام في مدريد، وفي المرتين كانت توجد حالة من البلورة لرؤية الدولة تشكل عاملاً جمعياً يمكن أن يستوعب الاستقطاب السياسي في خطوط مرجعية رئيسية، وعلى الرغم من أن الدستور والقوانين، تنظم جانباً من الأمور التي يتناولها الميثاق الوطني، إلا أنه يبقى حالة تنفتح على التقدم بطرحها الاستباقي للأسئلة الكبرى بصورة واقعية، وخارج الخطاب الإنشائي التقليدي، وتمنح فرصة نادرة للخروج من لعنتي الفكر السياسي في الأردن، الخجل والشعبوية.

أما الشعبوية فهي معروفة، والمواطن الأردني أصبح مدرباً على التعامل معها عند أول محطة مناسبة للتفكير، وأما الخجل، فهو العامل الاجتماعي ذو البعد السياسي الذي استمر يتمدد صعوداً إلى أعلى تجليات الخطاب في الأردن، فالأردني الذي يبقى قائماً على التشريب لضيوفه، ويمكن أن يقترض من أجل وليمة، يحاول أن يطبق ذلك في ممارسته السياسية بصورة أو بأخرى، مع أن هذه الذهنية اختفت تقريباً من أي خطاب سياسي عربي في هذه المرحلة، فالحديث عن المال لم يعد حديثاً عن واجبات قومية أو دعماً لصمود، ولكنه حديث مادي بحت يبحث في التكلفة والعائد، والحديث عن التعاون أصبح يترجم بالضرورة إلى مكاسب واضحة وليس سلوكاً متكاملاً.

الميثاق الوطني المأمول سيمكن أطرافاً عديدة من العودة إلى مواجهة الأسئلة بطريقة لا تصلح فيها المناورة ولا الالتجاء إلى الحيل الأخرى من أجل حماية طروحات غير مؤسسة معرفياً، وغير منتظمة فكرياً، وسيسهم في استعادة بعض أفضل أصحاب الفكر إلى داخل الأسئلة في الحيز الزماني والمكاني الصحيح لأي مثقف ومفكر وفاعل سياسي يعتبر ما يقوم به واجباً تجاه بلده ومجتمعه، بحيث لا يبقى يستثمر مواهبه وقدرته على الفحص والتحليل في قضايا أخرى.

بعض الأسئلة قد تستدعي القلق وحتى الخوف، ولكن وجود الإجابة أو شبه الإجابة، أفضل من المباغتة بهذه الأسئلة وهي تقترب من التحقق واقعياً، أو تطرح بصورة جدية، فالخجل الذي يلزم الأردني – مواطناً وسياسياً – للأسف ليس ملزماً للآخرين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى