مقالات

إضرابات “نقابية” تحت الاحتلال

د.أحمد جميل عزم

بينما يجري قتل الشباب والفلسطينيين في المخيمات والمدن الفلسطينية بالجملة، (224 شهيدا عام 2022، و88 شهيدا حتى منتصف شهر آذار (مارس) الحالي منذ مطلع العام)، تخوض نقابات مهنية إضرابات موجعة، للمجتمع قبل أن توجع المجتمع السياسي، من مثل إضرابات الأطباء والعاملين في المهن الصحّية. وهناك حراكات تقوم عليها مجموعات غير مؤطّرة في مؤسسات واضحة، وتستخدم وسائل التواصل الاجتماعي مثل حراك المعلمين، الذي يشل العملية التعليمية منذ شهور، بينما اتحاد المعلمين الرسمي لا يستطيع إقناع المعلمين لفتح المدارس.

في الوقت الذي تعيش فلسطين هجمة استيطانية احتلالية غير مسبوقة، خصوصاً من حيث الخطاب المتطرف، وإنكار وجود الشعب الفلسطيني، والتلويح باجتثاث جديد، ونكبة مختلفة، وبينما اتسعت ظاهرة مجموعات الشباب المقاوم المسلّح، يعيش الشارع الفلسطيني، سلسلة لا تنتهي من إضرابات مطلبيّة ذات طابع نقابي. جزء أساسي من تفسير وفهم هذه الإضرابات، يتعلق بعدم تحديث الشرعيات السياسية والنقابية الانتخابية، فالعمل النقابي يعيش حالة تشوش قانوني ومشكلة في تجديدها، لا تقل عن مشكلات الانقسام والشرعية في باقي النظام السياسي الفلسطيني، أضف لذلك المعادلة المستحيلة لتكوين حكم فاعل، وسلطة كفؤة ذات موارد تقوم بواجبها تحت هجوم الاحتلال المستمر، وشلل العملية السياسية الديمقراطية.

إذا كانت القيادة الفلسطينية تراهن على مشروع بناء الدّولة، وبنت وزارات ومؤسسات، وأجهزة أمنية، فإنّها لا تقوم بتجديد شرعيات مؤسساتها، عبر انتخابات عامة، أو تطور مؤسسات الاتحادات المهنية والشعبية والنقابية التي يمكن أن تكون بوابة لتجديد النظام السياسي، ودمقرطة المجال العام، والتي يمكن لتفعيلها أن يؤدي تلقائياً لتجديد شرعية فاعلية منظمة التحرير الفلسطينية، بصفة هذه الاتحادات جزءا أساسيا من المنظمة، ويوجد ممثلون مقبولون للقاعدة الشعبية.

بطبيعة الحال هذا الحديث عن الضفة الغربية تحديداً، حيث ما تزال هناك انتخابات تجري في بعض القطاعات والبلديات والجامعات، في حين تمنع حركة «حماس» في غزة أي نوع من الانتخابات وعلى كل المستويات.

بعد تأسيس السلطة الفلسطينية، لم يتطور العمل النقابي، وأصبحت هناك سلسلة إرباكات، فهناك هيئات واتحادات تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهناك النقابات الأردنية التي كانت عاملة قبل فك الارتباط الأردني الفلسطيني عام 1988، واستمرت تعمل بشكل أو آخر، ثم هناك نقابات ومؤسسات أو حراكات نشأت «تحت ظل السلطة».

لا توجد انتخابات أو تجديد حقيقي في عدد من النقابات والاتحادات والهيئات، وبعض النقابات بحاجة لأنظمة وقوانين وهياكل وتراخيص جديدة.

على سبيل المثال في العام 2016 جرت احتجاجات واسعة من قبل المعلّمين، ووقتها أعلن مسؤولون فلسطينيون أنّ مؤتمرات عامة للمعلمين وانتخابات لفروع اتحادات المعلمين، ستبدأ.

لم تجر انتخابات عامّة فعلية لمجمل جمهور المعلّمين. لم يشهد أحد كتلاً انتخابية متنافسة، ولا طوابير للمعلمين للإدلاء بأصواتهم الانتخابية، وبالتالي لم يتواجد لهم اتحاد لا يستطع أحد منازعته، وأصبح ما يسمى «حراكات» قادرا على تشكيل المشهد.

حاولت السلطة الفلسطينية إنشاء نقابة أطباء جديدة، وفشلت، ولا توجد خطط حقيقية لإعادة هيكلة العمل النقابي والشعبي.

بالنظر للمجالس البلدية حيث تجري انتخابات دورية تبدو المشكلات أقل كثيراً وهناك خطوط اتصال وتفاهم تعمل بنجاعة إلى حد ما.

الأصل تحت الاحتلال أن تكون النقابات والاتحادات، جزءا من مواجهة الاحتلال. لكن في سياق استمرار السلطة تحت الاحتلال، أصبحت النتيجة أن جزءاً لا بأس به من العمل الأهلي (المنظمات غير الحكومية) تعمل في رقابة السلطة ومتابعتها، معتمدةً على تمويل أجنبي خارجي يرفض تمويل مناهضة الاحتلال. لا تملك السلطة قدرة على تأدية جميع وظائفها ومهامها، لأسباب عديدة، أهمها الاحتلال وسياساته، والانقسام الفتحاوي الحمساوي، وعدم تجديد الشرعيات الانتخابية والقانونية. وبسبب وجود تقاليد عمل نقابي واحتجاجي، تنشأ حركات نقابية ومطلبية، تريد تحسين ظروف الحياة، في ظل سلطة تعيش هجوم الاحتلال، وضعف الإمكانيات، وانتقادات القريب والبعيد على السواء.

هذا الواقع يضيف للمشهد السياسي المزيد من الارتباك، ويجعل شرائح من الشباب والمقاومة، تبادر وترتجل في المواجهة ضد العدو الحقيقي، مبتعدة عن السلطة، والنقابات، والفصائل، والمنظمات غير الحكومية، خصوصاً في ظل عدم التجديد في كل هذه الأطر، رغم توق الشارع والشباب لذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى