مقالات

تحديات استدامة الديون السيادية

أحمد عوض

سيطر موضوع استدامة الدين على مساحة واسعة من المناقشات التي تمت خلال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين التي عقدت في العاصمة الأميركية واشنطن خلال الأيام القليلة الماضية، إلى جانب قضايا مهمة أخرى تستحق كل واحدة منها مقالا منفصلا، مثل الإدماج المالي وسياسات التقشف والتغيرات المناخية والعدالة المناخية، وإصلاح النظام المالي العالمي وإعادة حوكمته، والسياسات الضريبية.

وقد أتيحت لكاتب المقال فرصة المشاركة في هذه الاجتماعات، التي ناقشت هذه المواضيع الجوهرية، التي تؤثر بطريقة أو بأخرى على مختلف دول العالم وشعوبه، وخاصة ما يطلق عليها “دول الجنوب”؛ حيث تعاني من الارتفاعات المتتالية في مستويات الدين، وتبعات الوفاء بدفع أقساط الدين وفوائده.

ويقصد بمفهوم “استدامة الدين” قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها المالية بشكل مستدام ومن دون اللجوء إلى إجراءات تقشفية تضر بالمجتمع والاقتصاد. فالاستدامة تعني أن الديون يتم إدارتها بطريقة لا تؤدي إلى أزمات مالية متكررة أو تهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

من المفيد الإشارة هنا إلى أن الديون السيادية وخدماتها وصلت إلى مستويات غير مسبوقة عالميا، في الوقت الذي تشير فيه تقديرات صندوق النقد الدولي، إلى أن يتجاوز الدين العام العالمي 100 تريليون دولار بنهاية العام 2024، ما يمثل حوالي 93 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وسيتضاعف الرقم أكثر من ثلاث مرات فيما لو أخذ بعين الاعتبار الدين الخاص.

الأكثر خطورة من ذلك، مدفوعات خدمة الدين، إذ وصلت قيمتها، حسب التقارير الدولية المتخصصة للبلدان النامية (دول الجنوب)، وخاصة الدول منخفضة الدخل، مستويات قياسية تصل الى حوالي 14 بالمائة من مجمل إيراداتها، وستتجاوز ما تنفقه هذه الدول على الصحة والتعليم معا.

ومن هنا، تركزت العديد من النقاشات حول قضايا الديون السيادية في دول الجنوب العالمي، وقدرة هذه الدول على الالتزام بتسديد ديونها، في الوقت الذي تواجه تحديات ضخمة في ظل تصاعد أعباء الدين. وقد طُرحت تساؤلات عدة حول السياسات التقشفية التي تفرضها المؤسسات المالية الدولية كشرط لإعادة هيكلة الديون، حيث تؤدي هذه السياسات إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تلك الدول. وخلال الجلسات، تم مناقشة الدعوات المتزايدة لإلغاء الديون و/أو تخفيضها، كوسيلة لتخفيف العبء المالي على الدول المتأثرة وتمكينها من تحقيق أهدافها التنموية.

قدمت العديد من المقترحات والحلول لتجاوز أزمة الدين السيادي العالمي من قبل العديد من الخبراء والمختصين لمساعدة دول الجنوب لتجاوز هذه المعضلة ولحماية شعوبها من الآثار الكارثية لتطبيق السياسات المالية التقشفية التي يفرضها صندوق النقد الدولي، والتي تؤدي الى تخفيض الإنفاق على الحمايات الاجتماعية، وعلى رأسها الرعاية الصحية والتعليم.

من بين المقترحات التي نوقشت، كانت فكرة ضرورة إلغاء أو تخفيف أعباء الديون عن الدول الأكثر فقرا، ما سيمكنها من تخصيص المزيد من مواردها لدعم مسارات التنمية على المستويات المحلية، إلى جانب فكرة استخدام حقوق السحب الخاصة وتوزيعها بشكل عادل؛ حيث يمكن لصندوق النقد الدولي توفير سيولة إضافية لمساعدة الدول الفقيرة على مواجهة تحديات الديون وأعبائها، هذا إضافة الى فكرة إعادة شراء الديون بتمويل مشترك من صندوق النقد الدولي والدول الغنية، الأمر الذي قد يسهم في تخفيف أعباء خدمة الديون. إضافة إلى دعم مسار إصدار اتفاقية دولية عادلة لإدارة الديون، تعزز آليات إعادة هيكلة الديون بشروط عادلة للدول النامية، بما يضمن استدامة الديون وعدم تهديد استقرارها الاقتصادي.

يعد موضوع الارتفاعات المتتالية للديون السيادية وخدماتها من المواضيع الأكثر خطورة وتهديدا لاستقرار الاقتصاد العالمي، لأن كل المؤشرات تفيد بارتفاعها بتسارع كبير ومتتالٍ، تبعا للهيكلية غير العادلة للاقتصاد العالمي، ما يقوض قدرة حكومات الدول المدينة على الالتزام بسدادها من دون المساس بمسؤولياتها الاجتماعية تجاها مواطنيها، حيث تنتقل سنويا عشرات مليارات الدولارات من دول الجنوب إلى الدول الغنية على شكل فوائد ديون فقط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى