تكنولوجيا

رفضت صفقة “غوغل” مقابل 23 مليار دولار.. مَن شركة “ويز” الإسرائيلية؟

أخبار حياة – تسلطت أضواء عالم المال والتقنية في الأسابيع الماضية على شركة إسرائيلية ناشئة تعمل في قطاع الأمن السيبراني تدعى “ويز” (Wiz)، وذلك لأن “ألفابيت” (AlphaBit) عملاقة الإنترنت والمالكة لمحرك بحث “غوغل” قررت الاستحواذ على هذه الشركة الصغيرة مقابل 23 مليار دولار، في صفقة تعد الأكبر بالنسبة لشركة “ألفابيت” التي استحوذت على مئات الشركات الناشئة.

وبعد مفاوضات دامت عدة أسابيع رفضت “ويز” صفقة الاستحواذ، وقررت أن تظل شركة مستقلة بدون أن تتبع “غوغل” أو غيرها من الشركات الأخرى، ولأن الشركة تحتاج إلى التمويل، قررت إدراج نفسها في البورصة أملا في تحقيق أرباح إضافية بدون خسارة ملكية الشركة.

لكن لماذا رفضت “ويز” هذا الاستحواذ رغم قيمته المهولة، والأهم، ما الذي دفع عملاقة الإنترنت “ألفابيت” للاستحواذ على شركة إسرائيلية مقابل هذه القيمة؟

شركة أمن سيبراني تقليدية

تتخذ شركة “ويز” من قطاع الأمن السيبراني مجالا لها كحال العديد من الشركات الناشئة الإسرائيلية، وهي تقدم مجموعة متنوعة من خدمات الأمن السيبراني رفيعة المستوى تحتاجها الشركات باستمرار لتأمين خوادمها وحساباتها بشكل كبير.

ولا يمكن القول إن “ويز” هي شركة مبتكرة تقدم حلولا فريدة من نوعها لا تتوفر لدى الشركات الأخرى، إذ يوجد العديد من المنافسين لها في مختلف دول العالم، وربما كانت “كراود سترايك” التي تسببت في أزمة الإنترنت في نهاية يوليو/تموز الماضي إحدى أبرز المنافسين أمامها.

تأسست الشركة عام 2020 في تل أبيب على يد مجموعة من مهندسي الأمن السيبراني الإسرائيلي، وسرعان ما انتقل المقر الرئيسي للشركة إلى مدينة نيويورك ليكون قريبا من ساحة الأمن السيبراني العالمية وبالقرب من أهم العملاء لدى الشركة، وذلك بدون خسارة مقر تل أبيب أو القوة العاملة به.

وفي مايو/أيار من هذا العام حازت الشركة على تمويل بمقدار مليار دولار بناءً على تقييم كلّي للشركة بأكثر من 12 مليار دولار، وبهذا تكون الشركة جمعت 1.9 مليار دولار منذ تأسيسها، لذا تدعي الشركة بأنها أكبر شركة ناشئة في عالم الأمن السيبراني متفوقةً بذلك على العديد من المنافسين حول العالم.

ومن الجدير بذكره أيضا أن الشركة حازت على عقود تعاون مع كافة مؤسسات إسرائيل الحكومية عبر شركة “آكسيل” التي تمثل واجهة توزيع لخدمات الشركة، وهو الأمر الذي ساهم في رفع قيمتها بشكل كبير عن الأعوام السابقة.

لماذا تحتاج “غوغل” إلى “ويز”؟

تمثل “ويز” حجر الأساس المفقود بين العديد من خدمات “غوغل” الأساسية والمفضلة للشركات، وفي مقدمتها حلول الاستضافة البرمجية والخوادم السحابية التي تواجه فيها “غوغل” تحديات جمّة بدءا من وجود منافسة شرسة مثل “إيه دبليو إس” (AWS) التابعة لشركة “أمازون” و”آزور” التابعة لشركة “مايكروسوفت”.
وفي كل الحالات، يمتلك المنافسون حلولا تأمينية خاصة بهم فضلا عن تعاونهم مع شركات خارجية لتقديم خدماتها الخاصة والحصرية للمستخدمين، ولما كان تأمين الخوادم السحابية أحد أهم أركان الأمن السيبراني، فإن ضم “غوغل” لشركة “ويز” الإسرائيلية الناشئة لترسانة أسلحتها كان يمنح الشركة فرصة لتعزيز خدماتها وبالتالي زيادة نسبتها في قطاع الخدمات السحابية، إذ تقتصر حصة “غوغل” فيه على 10% فقط مقارنة بـ32% لـ”أمازون” و23% لصالح “مايكروسوفت”.

وحتى الآن، لم تستطع “غوغل” اختراق قطاع الأعمال عبر خدماتها السحابية بعكس ما يحدث في قطاع المستخدمين الذي تحظى فيه بشعبية واسعة بفضل اعتماد المستخدمين عليه في هواتف “آندرويد” والحواسيب الذكية التي تعتمد على “غوغل درايف”.
وبالطبع لا يمكن القول إن الصفقة كانت ستمر مرور الكرام في حال موافقة مجلس إدارة “ويز”، إذ تظل التشريعات الأميركية لمقاومة الاحتكار عقبةً أمام مثل هذه الصفقات في العادة، وربما كان ما حدث مع صفقة “مايكروسوفت” و”أكتيفيجن – بليزارد” في العام الماضي مثالا حيا لهذا، إذ واجهت الصفقة انتقادات شديدة من هيئة التجارة الفدرالية، وكذلك كان الأمر مع صفقة “أمازون” و”آي روبوت”، إلا أن “أمازون” فضلت التخلي عن الصفقة تماما.

ولم تكن المواجهة القانونية أمام السلطات الأميركية في صالح “ويز”، إذ إن مثل هذه القضايا تأخذ وقتا طويلا حتى يتم الحكم فيها، وهو ما يستنزف رأس المال الذي تملكه الشركة حاليا فضلا عن خفض قيمة الشركة أثناء مدة القضية.

فائدة أكبر من الصفقة

للوهلة الأولى تبدو “ويز” خاسرة برفضها صفقة “غوغل” الأضخم، ولكن في النهاية، فإن “ويز” تحصل على أرباح أكثر بفضل الاهتمام والتغطية الإعلامية الواسعة التي حصلت عليها بعد رفضها صفقة “غوغل”.

ويدرك مجلس إدارة الشركة ذلك بشكل كبير، لذا قرر وفق بيانه الرئيسي طرح الشركة للاكتتاب العام وتسويق أسهم الشركة مباشرة للمستثمرين حول العالم، وهو الاستغلال المثالي لهذا التغطية الإعلامية.

الصفقة الأكبر في تاريخ “غوغل”

يمتلئ تاريخ “غوغل” بالعديد من الصفقات الناجحة والكبيرة، إذ اتخذت الشركة العملاقة من الاستحواذ على الشركات الناشئة فلسفة عامة لها طوال الأعوام الماضية، وربما تعد صفقة الاستحواذ على “يوتيوب” في 2006 مقابل 1.6 مليار دولار إحدى أول صفقاتها وأنجحها على الإطلاق، إذ وصلت قيمة “يوتيوب” الآن لأكثر من 31 مليار دولار، أي أن قيمتها تضاعفت أكثر من 15 مرة.
بعد ذلك سارت الشركة للاستحواذ على خدمات “آد موب” (AdMob) وهي خدمة إعلانية تعرض الإعلانات بشكل مباشر في الجوالات، وهي الصورة الأولى لخدمات “غوغل” الإعلانية، وقد تمت هذه الصفقة عام 2007 مقابل 750 مليون دولار.
وتشمل صفقات “غوغل” العديد من الشركات مثل “إتش تي سي” (HTC) لصناعة الهواتف الذكية، وهي الصفقة التي تمت عام 2017 مقابل 1.1 مليار دولار و”نيست” (Nest) عام 2014 مقابل 3.2 مليارات دولار و”فيت بيت” (FitBit) عام 2007 مقابل 2.1 مليار دولار و”وييز” (Waze) الإسرائيلية عام 2007 مقابل 1.3 مليار دولار ثم “موتورلا” (Motorola) عام 2012 مقابل 12.5 مليار دولار، وهي الصفقة الأكبر في تاريخ الشركة.

وتعد “غوغل” من الشركات التي تستثمر بكثرة في قطاع التقنية الإسرائيلي وتبحث دائما عن شركات ناشئة للاستحواذ عليها، وربما كان الاستحواذ على “وييز” عام 2007 أكبر مثال على ذلك، وهي شركة تعمل في قطاع خرائط الجوالات وتقدم عدة خدمات عبر تطبيقها، ورغم أن التطبيق ما زال متاحا عبر متجر تطبيقات “غوغل”، إلا أن تطبيق خرائط “غوغل” الأساسي قد حصل على العديد من مزايا “وييز”.
كما يلاحظ أن “غوغل” تستثمر دائما في الشركات التي تتكامل خدماتها مع خدمات “غوغل” الأساسية، وذلك مثل الاستثمار في عدة شركات للإعلانات الرقمية وهي التي كونت شبكة إعلانات “غوغل” الشهيرة “آد سنس” (AdSense) التي تعتمد عليها الشركة بشكل كبير فضلا عن المستخدمين لكسب الأموال الإضافية.
“غوغل” أيضا استحوذت على عدة شركات لصناعة المنتجات التقنية مثل “إتش تي سي” و”نيست” و”فيت بيت” و”موتورولا”، ورغم أنها باعت الأخيرة لاحقا مقابل 6.9 مليارات دولار مع خسارة تجاوزت 50% من قيمتها عام 2014، إلا أن بقية الشركات ما زالت تحت سيطرتها وتقدم منتجات محبوبة من المستخدمين، بدءا من الساعات والأساور الذكية وحتى الجوالات.

القطاع التقني الإسرائيلي والأمن السيبراني

تملك إسرائيل عددا كبيرا من شركات الأمن السيبراني مثل “ويز”، ولكن جزءا كبيرا من هذه الشركات لا يعمل في تأمين المستخدمين بشكل مباشر، بل تعتمد على اختراق الجوالات والتجسس السيبراني المدفوع.
إن إس أو (NSO) و”سيليبريت” (Cellebrite) هما من أبرز الشركات الإسرائيلية العاملة في هذا القطاع، إذ وصلت هذه الشركات إلى صفحات الجرائد في أكثر من مناسبة، إما بسبب انتشار برمجياتها الخبيثة مثل “بيغاسوس” أو بسبب مساهمتها في اختراق هاتف مهاجم “ترامب”.

ويشير تقرير منصة “ستاتيستا” إلى وجود 469 شركة أمن سيبراني في إسرائيل، وهو الأمر الذي يعكس اهتمام التقنين الإسرائيليين بهذا القطاع تحديدا، ولكن وجود هذا العدد الكبير من الشركات المختصة بتأمين الخوادم إلى جانب شركات أخرى تعمل على سرقة بيانات المستخدمين واختراق هواتفهم يثير العديد من التساؤلات.
فضلا عن حالات الاختراق العديد التي حدثت في الشركات والوزارات الإسرائيلية، وربما كان اختراق حواسيب وزارة الدفاع الإسرائيلية الذي حدث في أبريل/نيسان الماضي الدليل الأوضح على ذلك، فإن كانت وزارة الدفاع غير راغبة في التعاون مع مثل هذه الشركات أو كانت تعاملت معها وحدث الاختراق، فكلاهما شهادة سيئة في حق شركات الأمن السيبراني الإسرائيلية، وهذا يدفعنا للتساؤل، هل تستحق “ويز” هذه الصفقة منذ الأساس؟

(الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى