الرئيسيةمحليات
أخر الأخبار

خطبة جمعة اليوم في مساجد المملكة عن “الرشوة”

أخبار حياة- عممت وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية موضوع خطبة الجمعة الموحدة على جميع مديريات الأوقاف في المملكة.

وحملت الخطبة عنوان ” من كبائر الذنوب الرشوة”.

وتاليا نص المادة العلمية المقترحة للخطبة:

مقالات ذات صلة

 

أثنى الله تعالى على أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في قوله سبحانه:﴿ وكذلك جعلناكم امة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا﴾ سورة البقرة :143 ، وقد اتفقت كلمة المفسرين على أن معنى ( وسطاً) أي : عدولاً ، والعدل نور يزيل الظلم بأي صورة من صور الظلم الذي معناه وضع الشيء في غير موضعه أو التصرف في ملك غيره.

ولتحفيز المؤمنين على التقوى نهاهم الله عز وجل عن أكل المال بالباطل  في ختام آيات الصيام في سورة البقرة في قوله جل وعز ﴿ ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من اموال الناس بالإثم وانتم تعلمون﴾  سورة البقرة : 188 ، قال شيخ المفسرين الطبري رحمه الله تعالى في تفسير الآية : ” جعل  تعالى ذكره بذلك أكل مال أخيه بالباطل، كالآكل مال نفسه بالباطل، ونظير ذلك قوله تعالى﴿ ولا  تلمزوا أنفسكم﴾ سورة الحجرات 11

وقد جاء النهي صريحاً عن أكل الأموال بالباطل في نداء الله تعالى الذين آمنوا  في قوله تعالى  : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ النساء: 29، ولا يخفى أن هذا النداء الرباني لعباده الذين آمنوا  فيه تحذير صريح ونهي لا يحتمل التأويل  بألاّ يأكلوا أموال بعضهم بما حرّم الله تعالى، وحرم رسوله صلى الله عليه وسلم كتحريم الربا والقمار والرشوة والغش والخداع وغيرها  من أنواع أكل الحرام وصوره المتعددة.

ومن صور أكل أموال الناس بالباطل التعامل بالرشوة ، هذه الرشوة التي توقع منْ فعلها أو أعان عليها بالطرد من رحمة الله تعالى، فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يفعلون هذه الأفعال، وحذر منها تحذيراً شديداً ، مما جعلها من الكبائر التي توعد الله تعالى فاعلها بالنار، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال صلى الله عليه وسلم: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي) رواه أبو داود والترمذي

إن المسلم ليحزن إذا لعنه صاحبه أو منْ يتوسم به الخير والصلاح، وربما لا ينام كَمداً  من هذا الدعاء باللعن ، فكيف بالمسلم ترتاح نفسه وينام ليله وهو يسمع دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على الذين يرشون ويرتشون ، وهو دعاء محقق الوقوع يقيناً لأنه كلام الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.

وقد حدّ العلماء الرشوة بأنها  كل منفعة يستفيد منها من تولى عملاً من أعمال الناس ليتوصل به الى ما لا يحل له، كمن يعطي مالاً لإبطال حق، أو إحقاق باطل، أو ليظلم أحداً من الناس، فيأكل حق غيره، أو يقدم غيره عليه بغير وجه حق، أو يأخذها في سبيل قضاء مصلحة هي من مهام وظيفته، فالرشوة محرمةٌ سواء طلبها بنفسه أو منحها الراشي دون طلب المرتشي، والراشي هو الذي يقوم بدفع المال، والمرتشي هو من يأخذ هذا المال.

ومن الحِيل لأخذ الرشوة وتجميل صورتها أمام الناس واستحسانها أنهم أطلقوا عليها أسماء متعددة، تارة تسمى هدية، وتارة أخرى مكافأة، وتارة اكرامية، والعبرة بالمعنى وليس بالمسمى، وتزداد حرمة الرشوة ، ولعن فاعلها اذا كان المقدم عليها أو آخذها موظفاً عاماً، عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: (استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له: ابن اللُّتْبِيَّةِ على الصدقة، فلما قدم، قال: هذا لكم، وهذا أُهْدِيَ إِلَيَّ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أما بعد، فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما وَلاَّنِي الله، فيأتي فيقول: هذا لكم وهذا هدية أهديت إلي، أفلا جلس في بيت أبيه أو أمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقًا، والله لا يأخذ أحد منكم شيئًا بغير حقه إلا لقي الله تعالى، يحمله يوم القيامة، فلا أعرفن أحدًا منكم لقي الله يحمل بعيرًا له رُغَاءٌ، أو بقرةً لها خُوَارٌ، أو شاة تَيْعَرُ» ثم رفع يديه حتى رُؤِي بياض إِبْطَيْهِ، فقال: «اللهم هل بَلَّغْتُ». متفق عليه

وفي هذا الحديث دعوة الى محاسبه المؤتمنين، ومنع العامل أو الموظف العام من قبول كل ما من شأنه أن يؤدي الى الإخلال بالنظام العام أو التعدي على حقوق الآخرين.

فالرشوة إنما حرمت حفاظاً على أموال الناس وحرصاً على أموال الأمة،  وحتى يؤدي الموظف عمله بأمانة واخلاص،  وحماية للإنسان من نار جهنم في الآخرة  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : (كُلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ) رواه الطبراني.

والحق أن الرشوة  تؤدي الى فساد الاخلاق والذمم، وانتشار الظلم وتفكك المجتمع؛ ومحق البركة وجلب المهلكة، قال صلى الله عليه وسلم: (فمن يأخذ مالاً بحقه يبارك له فيه، ومن يأخذ مالاً بغير حقه فمثله كمثل الذي يأكل ولا يشبع ) رواه مسلم.

كما أن الرشوة تمنع استجابة الدعاء، لأن من أسباب استجابة الدعاء طيب المطعم،    عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ:  تُلِيَتْ هَذِهِ الآيَةُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ: ﴿يا أيُّها النّاسُ كُلُوا مِمّا في الأرْضِ حَلالا طَيِّبًا﴾ فَقامَ سَعْدُ بْنُ أبِي وقّاصٍ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أنْ يَجْعَلَنِي مُسْتَجابَ الدَّعْوَةِ. فَقالَ: ”يا سَعْدُ، أطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجابَ الدَّعْوَةِ، والَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إنَّ الرَّجُلَ لَيَقْذِفُ اللُّقْمَةَ الحَرامَ في جَوْفِهِ، فَما يُتَقَبَّلُ مِنهُ أرْبَعِينَ يَوْمًا، وأيُّما عَبْدٍ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنَ السُّحْتِ والرِّبا فالنّارُ أوْلى بِهِ ) رواه الطبراني

والرشوة من الصفات الذميمة الدنيئة والتي يتمتع بها أصحاب الأنفس المريضة والكاذبة، قال الله تعالى ﴿سَمَّٰعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّٰلُونَ لِلسُّحْتِ﴾  المائدة 42 وقال تعالى ﴿ وَتَرَىٰ كَثِيرٗا مِّنۡهُمۡ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَأَكۡلِهِمُ ٱلسُّحۡتَۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ﴾  المائدة 62 .

فعلى كل من وقع في الرشوة بأي صورة من صورها ، أو سولت له نفسه الإقدام إلى هذا العمل المحرم أن يسارع إلى رد المال الحرام الذي أخذه من أهله  بغير حق  ، وأن يُسارع  الى التوبة النصوح بالندم والإقلاع عنها فوراً، وإن كان المرتشي موظفاً عاماً فعليه إعادة المال الى خزينه الدولة،  قال صلى الله عليه وسلم ) ان رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة ( رواه البخاري

وإذا كان المرتشي قد قصر بعمله أو ظلم أحدا فعليه أن يتحلل منه في الدنيا قبل الأخرة ، حتى لا يكون من الذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمفلسين ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ( أتدرون ما المفلِسُ؟ قالوا: المفلِسُ فينا من لا درهمَ له ولا متاعَ. فقال: إنَّ المفلسَ من أمَّتي، يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مالَ هذا، وسفك دمَ هذا، وضرب هذا. فيُعطَى هذا من حسناتِه وهذا من حسناتِه. فإن فَنِيَتْ حسناتُه قبل أن يقضيَ ما عليه، أخذ من خطاياهم فطُرِحت عليه ثمَّ طُرِح في النَّارِ) رواه مسلم.

عباد الله:

علينا ان نحقق الإحسان في حياتنا بأن نعبد الله كأننا نراه ، فإن لم نكن نراه فإنه يرانا، فإذا حققنا ذلك فإننا لا نقترب من الحرام في أي صورة من صوره ، ومنها الرشوة التي تطرد فاعلها من رحمة الله تعالى الواسعة، فاتقوا  وكونوا من الذين استجابوا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم في قول الله سبحانه ﴿ يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه  وأنه  إليه تحشرون ﴾ سورة الأنفال: 24

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102.

لا تنسوا الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ ﴾الأحزاب :43، ومن دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”، ومن قال: ” لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي”، وعليكم أيضاً بــ ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن وهما سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) قدر المستطاع.

سائلين الله تعالى أن يحفظ الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الحسين بن عبد الله، وأن يوفقهما لما فيه خير البلاد والعباد، إنه قريب مجيب.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى