مقالات

“مباحثات الفصائل”: نيكروبوليتكس بموافقة فلسطينية؟

د.أحمد جميل عزم

بحسب الأنباء المنشورة عن لقاءات مجموعة من الفصائل الفلسطينية، أهمها حركتا «حماس» و»الجهاد الإسلامي»، في مصر، هذا الأسبوع، فإنّ الحديث يتعلق بشكل خاص بظروف المعيشة والحياة في قطاع غزة، ودون وجود أي أفق سياسي حقيقي مطروح للبحث. هذا الأمر قد يكون نتيجة منطقية للوضع الضاغط في قطاع غزة، ولكنه يكاد يكون أقرب لوضع من لا يوجد لديه بديل سوى تحسين ظروف الاعتقال، ضمن سياسة السجّان التي يمكن تسميتها بسياسة «النكروبوليتكس» أو «سياسة الموت» التي توفّر متطلبات الحد الأدنى للبقاء على قيد الحياة، لكن دون تحسين ظروف الحياة.

يتضح بحسب ما نشرته صحيفة «الشرق الأوسط»، أنّ الجزء الأهم من لقاءات الفصائل التي غابت عنها حركة «فتح»، الحركة الأساسية في التمثيل الفلسطيني، ضمن القيادة الرسمية المعترف بها دولياً، فإنّ ما تم طرحه هو «»قائمة تحفيزية» تحصل عليها الفصائل الفلسطينية لتحسين الأوضاع في غزة، في مقابل تثبيت التهدئة». وتضم القائمة أمورا مثل مساحة الصيد المسموحة، وتسهيل حركة العبور للناس والبضائع من وإلى القطاع، وزيادة الكهرباء التي يتم تزويد قطاع غزة بها، وبطبيعة الحال المقصود هنا قائمة تتولى مصر الوساطة والتفاوض بشأنها مع الجانب الإسرائيلي.

أمور مثل تحقيق الوحدة الوطنية، وانتخابات توحيد الضفة وغزة، أو استثمار الغاز قبالة شواطئ غزة، جميعها لم تبحث جدّياً فلا معنى لبحثها دون وجود السلطة الفلسطينية الرسمية، وحركة «فتح».

بحسب دراسة قدمتها الباحثة علا التميمي، في مؤسسة الدراسات الفلسطينية، عام 2014، فإنّ إسرائيل مع قطاع غزة تطبق مصطلح عالم السياسة الكاميروني، أشِّل مبيمبه، (Achille Mbembe)، نيكروبوليتكس، أو سياسة الموت، إذا بحسب سياسة (موثقة) تُطبق بدءا من العام 2008، تحتسب إسرائيل أنّ الإنسان في غزة يحتاج 2279 سعرة حرارية يوميّاً، ويجب إدخال طعام بهذا القدر فقط، ولا داعي لأغذية قد تكون نوعا من الرفاهية. (طبعا هذا لا يعني أنّه لا يوجد مصادر أخرى لحاجات الأهالي غير إسرائيل).

بدون أفق سياسي لحل القضية الفلسطينية، من مثل قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة، أو حل سياسي، مؤقت أو دائم يتضمنان إنهاء الاحتلال وسيطرته، فإنّ القضية تتقزم إلى حاجات إنسانية أساسية.

هذا الواقع يثير سؤالين، الأول عن أسبابه، والثاني عن معانيه.

من ناحية الأسباب فإنّ الانقسام السياسي الفلسطيني، يلام بشكل كبير، وبدون وجود القيادة الرسمية الشرعية المقبولة دوليّاً على الطاولة، لن يتم بحث حلول سياسية حقيقية. ولكن هذه القيادة تعاني على أكثر من صعيد، أولها الانقسام، والثاني عدم تجديد الشرعية عبر انتخابات أو توافق وطني، وثالثها أنّ القيادة الرسمية لا تسيطر على القرار الفلسطيني اليومي في قطاع غزة، ولا على قرار التهدئة والمواجهة، فهي لم تعد «الرقم الصعب» في قرار الحرب والسلم كما كانت في الماضي. وبالتالي القيادة الرسمية ليست صاحبة القرار على أرض الواقع، خصوصاً في غزة، وسلطة الأمر الواقع لا تسيطر على القرار السياسي الشرعي والرسمي. وإسرائيل في الحالتين لا تريد شريكا سياسيا، بل مفاوض بشأن ظروف الاحتلال، وليس إزالته.

من حيث المعنى، فإنّ كل ما يتم التفاوض حوله من مطالب حياتية كانت متوفرة في الماضي، ولم تكن موضوعاً للبحث أو التفكير، قبل العام 2006، ما يطرح السؤال، بموضوعية؛ كيف يمكن أن تُقيّم فصائل المقاومة إنجازاتها السياسية على صعيد تحقيق أهداف التحرير وإنهاء الاحتلال، إذا تحولت المطالب الحياتية إلى الهدف المُلح؟

بالنظر لعملية رجل الأمن المصري قبل أيام وقتله ثلاثة جنود إسرائيليين داخل فلسطين، وبالنظر لطبيعة ما يجري في قطاع غزة، ومفاوضات «الحزمة التحفيزية» مقابل «التهدئة»، يتضح أن الجميع يدير أزمة للتقليل من تبعاتها، انتظاراً للمجهول.

الرسالة المفترض وصولها أصحاب تقييم الأمن، وأصحاب القرار السياسي، أنّ الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر وتداعياته خطرة، ولا بد من الضغط على مستويين، الأول، هو على المستوى الفلسطيني للوصول لإعادة تجديد مؤسسات العمل الفلسطينية وفق الآليات المقرّة وطنياً، والثاني، الضغط من أجل عملية سياسية حقيقية مع الاحتلال، وعدم البقاء في إطار ما يقيم أود الحياة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى