أخبار ساخنةالرئيسية
أخر الأخبار

إليكم موضوع خطبة الجمعة الأولى من رمضان

أخبار حياة- عممت وزارة الأوقاف والمقدسات الإسلامية موضوع خطبة الجمعة على جميع مديريات أوقاف المملكة.

وتاليا خطبة الجمعة الأولى من رمضان التي حملت عنوان: إلا الصوم فانه لي وأنا اجزي به“.

كتب اللهُ تعالى على عباده صيام شهر رمضان في شهر القرآن ، شهر الهداية والعرفان لما في الصيام من حِكمٍ عظيمة ، منها ما نعلمه وأكثرها لا نعلمه ، فالصيام وسيلة لتحقيق التقوى ، والتقوى هي فعل ما أمر الله تعالى به ، وترك ما نهى الله عنه.

  لقد خاطب اللهُ عز وجل عباده عندما شرع لهم عبادة الصيام ،بقوله تعالى:  ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ البقرة: 183، وهذا تكريمٌ من الله لعباده ، قال ابن مسعود رضي الله عنه:” اذا سمعت الله يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فأرعها سمعك، فإنه خيرٌ يأمر به أو شرٌّ ينهى عنهُ”، وقال علماؤنا : إن الله إذا قال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )، فإن فيه تكريماً للمؤمنين أن الله رب العالمين يخاطبهم ويرفع مكانتهم بهذا النداء. 

فهنيئاً لنا معاشر المؤمنين أن يُخاطبَنَا ربُنا الكريم سبحانه وتعالى، ونحنُ في أول جمعة من شهر رمضان المبارك، لتحقيق التقوى التي جعلها الله تعالى الغاية من عبادة الصيام ، وهي أفضل ما يتسلح به الإنسان المسلم لينال صفة المتقين ، لذلك جعل الله تعالى شهر رمضان شهر التقوى، قال الإمام علي كرم الله وجهه: ( التقوى هي الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والقناعة بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيل).

   ومن الأسرار العظيمة في الصوم أن المسلم يترك طعامه وشرابه وسائر شهواته المباحة التي جبلت عليها النفس البشرية إرضاءً لله تبارك وتعالى سراً وعلانيةً ، ولا يوجد ذلك في عبادة غير الصيام . 

رمضان أقبل يا أولي الألباب ***  فاستقْبلوه بعد طول غياب

عام مضى من عمْرنا في غفْلة ***  فتنبهوا فالعمر ظل سحاب

وتهيؤوا وتصبروا لمشقة ***   فأجور من صبروا بغير حساب

الله يجزي الصابرين لأنهم ***  منْ أجله سخروا بكل صعاب

لا يدخل الريان إلا صائم  ***  أكْرمْ بباب الصْوم في الأبواب

   ومما لا ريب فيه أن الصوم مدرسة إيمانية خُلقية وتربوية ، يتدرب فيها الصائم على ضبط نفسه وكبح جماحها، والإقبال على أعمال الخير والطاعة ، فيتخرجُ فيها المسلم، وقد زكّى نفسه، وجددّ ايمانه، وسلك الطريق المستقيم والمنهج القويم يبتغي الأجر والمثوبة من الله تعالى، ويحرص كل الحرص على عبادته ، كما أن هذه العبادة لعظمها تضاعف فيها الأجور، ولذا نسبها ربنا تبارك وتعالى لنفسه فقال في الحديث القدسي: « كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، إلى سَبْع مِائَة ضِعْفٍ، قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إلَّا الصَّوْمَ؛ فإنَّه لي، وَأَنَا أَجْزِي به، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِن أَجْلِي. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فيه أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِن رِيحِ المِسْكِ» رواه مسلم، فهذه إضافة تشريفٍ وتعظيمٍ ، يقول الحافظ  ابن حجر رحمه الله تعالى في شرح هذا الحديث : ” إن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره” ، وقال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: “لما كانت الأعمال يدخلها الرياء، والصوم لا يطلعُ عليه احدٌ الا الله، أضافه الله الى نفسه، وقال في نهاية الحديث 🙁 يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِن أَجْلِي)، وقال : ” أن الاعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس، وأنها تضاعف من عشرة الى سبعمائة ضعف الى ما شاء الله ، إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير، ويشهد لهذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مَن همَّ بحسنةٍ فلم يعمَلْها كتَبْتُ له حسنةً فإنْ عمِلها كتَبْتُها بعشرِ أمثالِها إلى سبعِمئةٍ وإنْ همَّ بسيِّئةٍ فلم يعمَلْها لم أكتُبْ عليه فإنْ عمِلها كتَبْتُها عليه سيِّئةً واحدة » رواه ابن حبان .

 وهذا الشهر شهر صلة الأرحام والأقارب وزيارتهم، قال الله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا النساء:1، فإن الرحمَ معلقةٌ بالعرش، من وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله،  ففي الحديث الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح البخاري  قال: قال صلى الله عليه وسلم : « لمّا خَلَقَ اللهُ الخلقَ، فلمَّا فرغَ منه، قامت الرَّحِمُ فأخذت بحَقْو الرَّحمن، فقال له: مَه، قالت: هذا مقامُ العائذِ بك من القَطِيعة، قال: ألَا تَرْضَيْنَ أنْ أصِلَ مَن وصلكِ، وأقطعُ مَن قطعكِ، قالت: بلى يا ربِّ، قال: فذاك»، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرءوا إن شئتم ،﴿فهل عسيتُم إنْ تولَّيتُم أن تُفْسِدوا في الأرض وتُقَطِّعوا أرحامَكم سورة محمد: 22  

  إنَّ صلةَ الرحم بركة في الرزق وبركة في العمر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، أوْ يُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ » رواه مسلم، وهذه فرصة يجب أن نغتنمها في شهر رمضان، لأن الأجور مضاعفة فكيف إذا كانت متعلقة بالأرحام ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: « الصدقةُ على المسكينِ صدقةٌ وعلى ذي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صدقةٌ وصِلَةٌ » رواه الترمذي .

وتظل صلةُ الأرحام واجبةً حتى وإن قاطعوك ولم يصلوك، فالأفضل أن تستمر علاقاتك الأُسرية، لتبقى لحمة المودة والمحبة مستمرة ، وإن لك بذلك أجراً عظيماً عند الله تعالى، ورد في الحديث الصحيح أنَّ رَجُلًا قالَ: « يا رَسُولَ اللهِ، إنَّ لي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إليهِم وَيُسِيؤُونَ إلَيَّ، وَأَحْلُمُ عنْهمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقالَ: لَئِنْ كُنْتَ كما قُلْتَ، فَكَأنَّما تُسِفُّهُمُ المَلَّ وَلَا يَزَالُ معكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عليهم ما دُمْتَ علَى ذلكَ » رواه مسلم ، وهذه الصلة مطلوبة وإن بعدت المسافات والحواجز فوسائل التواصل الاجتماعي جعلت العالم كقرية صغيرة، فلا تبخل برسالة أو مكالمة مع أقاربك وأرحامك وأهل بيتك ، فهذه مما تُدخلُ السرور على قلوبهم، وتقويّ الروابط العائلية، والعلاقات الاجتماعية، قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم « كلُّ معروفٍ صدقةٌ وإنَّ منَ المعروفِ أن تلقَى أخاكَ بوجْهٍ طَلقٍ وأن تُفرِغَ مِن دلْوِكَ في إناءِ أخيكَ » رواه الترمذي. وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله ﷺ قال: «ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها»، رواه البخاري.

  إن الصائم الذي يمسك عن طعامه وشرابه وشهواته المباحة، قادرٌ على أن يمنع نفسه من المعاصي والمحرمات والاخلاق السيئة، لتحقيق الثمرة من الصيام، وهي ثمرة التقوى (لعلكم تتقون).

إن الفرصة لتغيير السلوك سهلة على الصائم القائم في شهر رمضان، شهر القرآن لنصبح مصاحف حيّة تمشي على الأرض كحال الصحابة رضي الله عنهم، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ ﴾ الرعد:11، فلنطرح حظ النفس جانباً، ونقبل على الفضائل المحمودة، ونهجر الصفات المذمومة فلا غيبة ولا نميمة، ولا تشاحن ولا تباغض، ولا حسد ولا حقد ولا غل ، لتصبح قلوبنا مطمئنة بذكر الله تعالى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« أفضلُ النَّاسِ كلُّ مخمومِ القلبِ ، صدوق اللِّسانِ ، قالوا: صدوقُ اللِّسانِ نعرِفُه فما مخمومُ القلبِ ؟ قال التَّقيُّ النَّقيُّ ، لا إثمَ فيه ، و لا بغْيَ، و لا غِلَّ ، و لا حسَد »  رواه ابن ماجه.

يا مديمَ الصوم في الشهر الكريم        صــــــوم عن الغيبة يوماً والنميم

وصلّ صلاة من يرجو ويخشى         وقبل الصوم صم عن كل فحشا   

وهذا مما يؤدي الى صفاء القلوب ونقائها ؛ ليلقى المسلم ربه تبارك وتعالى بقلب سليم قال تعالى ﴿ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ الشعراء: 89 .

ولا ننسى أن نحافظ على الصلوات المفروضة وصلاة التراويح مع الإمام امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم  « مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ » رواه الشيخان. لنجمع بين القيام والصيام الذي ورد فيه ( منْ صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102

 عباد الله:  

لا تنسوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: من قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”، ومن قال: ” لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي”، ومن قال: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ﴾ ، ” أيما مسلم دعا بها في مرضه أربعين مرة فمات في مرضه ذلك أعطي أجر شهيد، وإن برأ برأ وقد غفر له جميع ذنوبه”.

سائلين الله تعالى أن يحفظ ولي أمرنا جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الحسين بن عبد الله، وأن يوفقهما لما فيه خير البلاد والعباد، إنه قريب مجيب.

والحمد لله ربّ العالمين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى