مقالات

خطاب “سموتريش” جزء من شبكة يهودية عالمية

أحمد جميل عزم

تستحق تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريش، في باريس حول كل من مدى وجود الشعب الفلسطيني، ومسألة وجود الأردن ضمن الخريطة الإسرائيلية، انتباهاً خاصاً ليس في سياق السؤال هل تمثل تصريحاته سياسة رسمية إسرائيلية أم لا، ولكن ضمن سؤال أيضاً مدى إمكانية تقدّم هذا الخطاب في السياسة الإسرائيلية، والمستقبل السياسي وأوراق القوة لدى سموتريش.

بالنظر للمكان الذي تحدث فيها سموتريش، فهو تحدث في حفل تأبين قيادي يهودي فرنسي، توفي بالسرطان عام 2021، وهو عضو مجلس إدارة الوكالة اليهودية، والعضو في حزب الليكود الإسرائيلي، الحزب الأكبر والقائد من سنوات طويلة للحياة السياسية الإسرائيلية، جاك كوبفر، والذي كان لديه برنامج خاص، ولديه جماعة خاصة يهودية مقرها باريس.

إذا جاك كوبفر هو ضمن شبكة الليكود، ومن هنا يمكن فهم صمت بنيامين نتنياهو، الذي لا يريد أن يرى سموتريش باعتباره أكثر ليكودية منه. وجاك كوبفر كان يتحدث دائماً مقتبساً من الصهيوني المعروف باسم اليهودي التنقيحي المتطرف زئيف جابوتنسكي، وتظهر صوره أمام صور جابوتنسكي الذي نظّر طويلاً لكيفية تركيع الفلسطينيين. وهنا يجب التوقع عند حقيقة أن كوبفر يتحول تدريجياً إلى مرجع سياسي وفكري، فمثلا في جامعة آرئيل الاستيطانية في الضفة الغربية (ليس بعيداً عن بلدة حوّارة التي يخطط سموتريش لمحوها عن الوجود)، يوجد كليّة جامعية ضخمة اسمها «مركز جاك كوبفر لدراسات أرض إسرائيل والآثار». وتجمع هذه الكلية الأموال لدعمها من العالم، وتحمل أجندة سياسية معلنة.

وكوبفر كتب كتاباً عنوانه PALESTINE LE COUP DE BLUFF. في هذا الكتاب القصير، يقدّم فيه تصوّراً لإقناع أوروبا أو بالأحرى للناشطين الصهاينة لكيفية تصفية قضيّة اللاجئين الفلسطينيين، ومواجهة الناشطين الفلسطينيين في الغرب، خصوصاً عبر تقديم الفلسطينيين كجزء من خطر إسلامي يستهدف أوروبا وحضارتها.

لقد دعي سموتريس من قبل نادي بيتار حركة الشباب الصهيوني في فرنسا، الذي كان كوبفر عضواً فيه، ليتحدث فيه. ويقوم هذا النادي بترويج أفكاره وهو الذي استضاف سموتريش ليخطب ومن أمامه خريطة الأردن وفلسطين، وهي فكرة روج لها وآمن بها كوبفر. وتقوم ابنة كوبفر، نيلي ناعوري بدور كبير في تعزيز وتوسعة نهر والدها وبناء مؤسسات باسمه، خصوصاً عبر بيتار. ويجب تذكر أن كوبفر عدا كونه حاصلا على دكتوراه في العلوم السياسية والقانون، وكان قاضياً في المحكمة التجارية في فرنسا، كان يعمل في مجال صناعة المجوهرات والساعات. وبتحليل عدد من الخطابات والتصريحات لابنة كوبفر ومقربين منه يتضح فكر «داعشي» واضح، يتقاطع مع سموتريش بشكل كبير، حيث التركيز أولاً على «تكفير» ودحض وجود أي دين أو جهة عير اليهود في فلسطين، وثانياً استغراق كبير في قضايا مثل الطعام الحلال اليهودي، والتعاليم التوراتية في الحياة والملابس و..إلخ، وهناك إشارات واضحة لهذه الجماعات بشأن الرغبة في التحالف مع «وزراء» إسرائيليين لتعزيز الهجرة اليهودية والروابط بين اليهود وإسرائيل، مع تركيز على الاستيطان وعلى التوسع الجغرافي، بعدم ترك الضفة الغربية، بل والنظر نحو الضفة الشرقية.

هذا كلّه يعني أن خطاب سموتريش في باريس، يمكن رؤيته في إطار احتضان وتحالف بين وزير المالية المتدين الصهيوني وجماعات يهودية فرنسية لديها إمكانيات مادية وسياسية ولديها مؤسسات داخل إسرائيل وفي أوروبا، وصلة مع عالم المال والمجوهرات، وبالتالي نتحدث عن حاضنة كاملة لفكر سموتريش، أو أن سموتريش مجرد جزء من رأس جيل جليدي.

إذا تذكرنا أنّ الجامعة العبرية في القدس التي فتحت أبوابها عام 1925 كانت جزءا من خطة لخلق الشعب الصهيوني، بما في ذلك ترويج اللغة العبرية، وتقديم كتب تتضمن رواية صهيونية يهودية للتاريخ وللدول التي يتم التخطيط لها، فيجب رؤية سموتريش، ضمن خط يمتد عبر الليكود وشبكاته، وصولاً لزئيف فلاديمير جابوتنسكي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى