مقالات

استدارات كاملة قيد التنفيذ

مالك عثامنة

كتبت سابقا هنا وفي منابر زميلة، أن بن غفير الذي أثير الكثير من الضجيج حوله ليس أخطر الموجودين في حكومة اليمين الفاشي الإسرائيلية، وها هو سموتريتش يثبت ذلك.

سموتريتش ليس وزير مالية فقط، والصلاحيات التي تم منحها له في حكومة نتنياهو ضمن هندسة تحالف غريبة ومريبة تجعل منه صاحب صلاحيات “أمنية” شديدة الحساسية في الضفة الغربية، وهذه الهندسة الخبيثة في توزيع الصلاحيات داخل حكومة نتنياهو تجعلها حكومة انقلاب من الداخل الإسرائيلي مفتوحة على كل الاحتمالات والتوقعات بما فيها احتمال الحرب الإقليمية مع أي طرف، فالكل أعداء عند هؤلاء المتطرفين، ولا غالب إلا الله الذي يؤمنون به ضمن مواصفات “إلهية” خاصة بهم كشعب الله المختار والمنتقى عن باقي البشر، فهم الشعبة “الناجية” عن باقي البشر!!

لو أزلنا ربطات العنق والبذلات الحديثة و”الكيباه”، فما هو الفرق “فعليا وبالمبدأ” بين سموتريتش “ومشتقاته مثل بن غفير” وبين الظواهري والبغدادي وغيرهم من دعاة الدولة “المتطرفة” التي ترى الآخرين ممن لا يشبهونهم وليسوا مثلهم أغيارا لا يستحقون الحياة، وغير موجودين.

الكل يشعر بانفجار وشيك وعاصف في الضفة الغربية تداعياته ستكون ارتدادية على الإقليم كله. الوضع الراهن “والساكن” في كل القضية الفلسطينية كان لا بد أن يتحرك في اتجاه ما، وها هي الحكومة اليمينية في إسرائيل تسعى لا لتحريك الساكن وحسب، بل صارت غايتها وهدفها المنهجي والمتعمد دفع الأمور كلها إلى الحافة ونحو التفجير الكامل.

الموقف “اليميني” للحكومة الإسرائيلية مبني على قراءة مواقف خاطئة، بل مضللة وسيدفع ثمنها الإسرائيليون أنفسهم إن بقيت الخطة “الحكومية” على طريقتها في التفجير المتتابع وصولا إلى الذروة في شهر رمضان القادم.

يخطئ الإسرائيليون “وهنا نعني اليمين الحاكم تحديدا” باعتقادهم حد اليقين أن سيناريو “الرعب الأمني” المقارب لرعب تهجير عام 1948 يمكن أن ينجح مع الفلسطينيين.

الأهم الذي غفلت عنه خلية التفجير الإسرائيلية أن الفلسطينيين اليوم لديهم هوية وطنية راسخة في وجدانهم، صارت تتماسك خرسانيا عند جيل أو جيلين على الأقل، في الضفة الغربية “والمكون العربي” في الداخل الإسرائيلي نفسه. والمفارقة أن التراكم الزمني للاحتلال هو المحفز لتشكل هذه الهوية المكتملة، ثم بلورتها في علاقة تزداد طرديا مع استمرار الاحتلال وممارساته القمعية. لذا فالخسارات الفادحة هذه المرة حساباتها مختلفة لدى الفلسطينيين.

تلك القراءة الخاطئة كارثية، لو صح ما يرد من تسريبات عن نية لدى بن غفير وبعض اليمينيين المتشددين بممارسة طقوس دينية “غاية في الاستفزاز” في صحن المسجد الأقصى وبالتزامن مع أيام مقدسة عند المسلمين نهاية رمضان وبعد عيد الفصح المسيحي الذي يتصادف حضوره في إبريل القادم. التشريعات التي يسعى وزير الأمن الإسرائيلي إلى استصدارها لإباحة الدم عبر إطلاق الرصاص الحي على الفلسطينيين في حال اندلعت” الانتفاضة” وتطويق “المناطق” من خلال الجيش لحماية العمق الإسرائيلي وإغلاق مداخل إسرائيل – أو مخارجها- لن يؤدي إلى إزاحة جماعية كما يتوهم صناع القرار الإسرائيلي اليوم.

أما الأردنيون، فعليهم الانتباه إلى حزمة من الخيارات الجديدة، التي قدمتها الغطرسة الإسرائيلية على طبق من فضة، الخيارات التي كانت غريبة في عرف شركاء السلام، وأصبحت ضرورة ملحة كإستراتيجية مرنة تتناسب مع المساحة التي تضيق يوما بعد يوم، والتي يريد الإسرائيليون تطويق الأردن في زواياها، ناهيك عن كل التغيرات الأخرى في الإقليم، والتي يجد فيها الأردن دوره الحقيقي الذي فقده منذ زمن، ولا يزال يبحث عنه بعيدا وهو بين يديه بدلا من الرهانات على دمى خشبية في سلطة رام الله منتهية الصلاحية.

ومن ذلك، أن ينتبه الأردن على الأقل من مبدأ حماية الوصاية، إن لم نقل تقديرا لتاريخ وحدة الضفتين، إلى تيار واسع من الفلسطينيين في الضفة الغربية؛ الذين يرون الأردن مجالهم الحيوي وعمقهم الإستراتيجي، والمؤمنون مثل كثير من أشقائهم في شرق النهر أن لا نهر بضفة واحدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى