مقالات

من عرين الأسود إلى صواريخ الجهاد الـ1469 و”السلطة”

أحمد جميل عزم

بحسب المعلومات المتوافرة في الإعلام فإنّ حركة الجهاد الإسلامي، ودون مشاركة فعليّة أو واسعة، من حركة “حماس” أطلقت في المواجهة الأخيرة (9 – 13 أيار\ مايو)، 1469 صاروخاً، في استهداف للمناطق المحتلة عام 1948، وأنّ نحو خُمس الصواريخ لم تخرج من نطاق غزة، وسقطت داخلها، وتم اعتراض 95 بالمائة من الصواريخ الأخرى، ووصلت بضعة صواريخ جنوب تل أبيب، ومستوطنة في الضفة الغربية، قرب القدس. وبينما تحتاج هذه الأرقام لرد واضح وشفاف من غرفة العمليات المشتركة في قطاع غزة، فإنّ ما يتسق معها، أنّ الصواريخ أوقعت قتيلين فقط، أحدهما مستوطن إسرائيلي، والثاني عامل فلسطيني من قطاع غزة، يعمل في “الداخل”.

لا تختلف هذه الأرقام، عن أرقام المواجهات السابقة، ما يطرح سؤالا عن الفعالية المادية لهذه الصواريخ، والسؤال لا يوجد فيه أي تشكيك بنهج المقاومة من حيث المبدأ وببطولة المقاومين، بل تقييم للأداة والأسلوب، وصراحة مع الذات.

إن جدل تحويل حرب التحرير الفلسطينية، لنوع من القوات النظامية والأسلحة التقليدية التي تستخدمها الجيوش، موضوع جدلي قديم. وقعت فيه منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل الفدائية سابقاً، وتم دفع ثمنه غالياً. ورغم الصمود الأسطوري مثلا في بيروت 1982، إلا أنّ أهم عمليات الثورة، وحتى الصمود في بيروت تضمن إمّا حرب العصابات أو حرب الشوارع، أما القتال النظامي بين حركة تحرر لا أرض ولا مطارات ولا موانئ تحت سيادتها وجيش كالقوة الإسرائيلية المدعومة من دول عظمى، فأمر يحتاج لوقفة. وفي العقائد العسكرية، هناك تكتيك معروف تخافه الجيوش الكبرى، يعرف بالحرب اللامتماثلة (Asymmetric warfare )، وقد وصل التخوف الأميركي على سبيل المثال من هذه الحرب حد تأسيس معاهد خاصة لفهم كيف يمكن مواجهة الجيش الأميركي لهذا النمط. فالجيش النظامي الكبير لا يخشى الجيوش الأصغر، بقدر ما يخشى المجموعات غير النظامية والوسائل الشعبية غير التقليدية، التي لا يعرف الجندي النظامي التعامل معها ولا تجدي بشأنها الدفاعات الصاروخية الجوية.

العمل الفدائي هو عمل المجموعات الصغيرة السرية، أو حتى الأفراد، بدعم من فصائل وباحتضان من الشعب. أما مسألة القواعد النظامية، والأسلحة التقليدية فتحتاج لوقفة حقيقية. هذا لا يعني أن “الترسانة” العسكرية في غزة، غير مهمة كقوة ردع ودفاع، لكن الجميع يدرك أن هذه هي وظيفتها.

ذات الشيء بالنسبة للفصائل الجديدة في الضفة الغربية (كتيبة جنين، وعرين الأسود، وبلاطة، غيرها) ففي اللحظة التي يصبح هناك تشكيل يقوم باستعراض عسكري، ويخرج المقاتل للقاءات تلفزيونية بنفسه، وليس من خلال مسؤول إعلامي منفصل، وبمجرد ما يصبح هناك أماكن اختباء، وتسوق، وحِلاقة، واستراحة، وتجول معروفة للتشكيلات، تصبح عناصر المقاومة مكشوفة أمنياً أمام عدو يستخدم التكنولوجيا، والأقمار الصناعية، وشبكات الاتصال، بقدر ما يستخدم الجواسيس.

في ذات المسار فإنّ إقامة سلطة فلسطينية، (سواء في الضفة أم غزة) مع اختلاف في بعض التفاصيل، فهي تصب في ذات المسار، أي مسألة التحول لمؤسسة نظامية علنية، دولاتية، بينما المطلوب بنى تحررية. من المفهوم والمنطقي أنّ بناء السلطة الفلسطينية، كان ضمن استراتيجية بناء دولة، ومفاوضات، ومع فشل هذه الاستراتيجية، تحول ممارسة السلطة لعبء كبير، تماماً كما يصبح إنشاء جيوش نظامية، في مرحلة تحرر انكشافاً أمنياً.

قبل أشهر استمعت لمحاضرة للأخضر الإبراهيمي، أحد القياديين الجزائريين منذ مرحلة الثورة، والدبلوماسي القديم، وقال فيها إنّ الحقيقة أن قوات جيش التحرير كانت في حالة ضعيفة عند الاستقلال، ولكن بما وفرته هذه القوات من روح وقوة معنوية وبعد فشلها العسكري، فإنّ الشعب الجزائري عام 1961 “هبّ هبة واحدة ولم يقبل بأقل من الاستقلال”.

التنظيم السري، والمجموعات الصغيرة الضاربة، والمقاومة الأهلية الشعبية الواسعة، والتكافل الشعبي، والمؤسسات الثورية المدنية الإعلامية والاقتصادية للانفكاك عن الاحتلال، هي أساليب حروب التحرير، وهذا ما يقتضي تفكيراً عميقاً. ليس المطلوب بالضرورة حل السلطة الآن، وبالتأكيد ليس مطلوباً تراجع الفصائل في غزة عن التحصن عسكرياً، لكن اختيار الأدوات والتنظيمات المناسبة أمر يحتاج للكثير من المراجعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى