مقالات

بايدن إذ “يَعِدنا”.. بـ”شرق أوسط أفضل”؟

محمد خرّوب
في إحدى «أغرب» تصريحات صدرت عن الرئيس الأميركي بايدن, خاصة بعد انخراطه المُباشر في الحرب على قطاع غزة, ومشاركته جنرالات العدو ورهط المتطرفين ومجرمي الحرب في الكيان الصهيوني العنصري، حداً وصل به الموافقة على قرار «مجلس الحرب» قطع المياه والكهرباء والغذاء والوقود, عن مواطني القطاع ومشافيها ومدارسها وتجمعاتها السكانية الكثيفة، خرج بايدن على العالم في «تأكيد» غير مسبوق في توقيته, وخصوصاً في ما انطوى عليه قائلاً: إن البشرية بحاجة إلى نظام عالمي جديد (ما يعني من بين أمور أخرى «نعي» نظام «القواعد» الذي كرّسه التف?د الأميركي بقيادة العالم, بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي)، مؤكداً أيضاً على نحو يبدو وكأنه يسعى للطمس على الانقسام الأفقي والعمودي في المجتمع الأميركي, بالقول: إن «الأميركيين» سيكونون قادرين على بناء هذا النظام العالمي الجديد، إذا كان لديهم ما يكفي من الجرأة والثقة بالنفس.

وإذ يمضي الرئيس الأميركي الذي يريد التجديد لنفسه لولاية جديدة, على دماء الفلسطينيين وتدمير مدنهم وقراهم وخصوصاً مخيماتهم على رؤوس ساكنيها، في حديث مُسهب وغير واقعي في ظل تجارب معظم دول العالم مع الآلة العسكرية الأميركية الباطشة, وما عادت عليهم من مآسٍ جراء الهيمنة وسلوك الغطرسة الذي مارسته وتمارسه الإدارات الأميركية المتعاقبة، فإنه ذهب إلى سردية أو مقاربة لم يحدث أن قاربتها أو فكّرت واشنطن بتجسيدها عبر قوله: «أعتقد أن لدينا فرصة، إذا كنا – أضاف – جريئين بما فيه الكفاية, وواثقين بما فيه الكفاية لـ«توحيد الع?لم كما لم يحدث من قبل».

هنا يتوجب الإشارة إلى أن أميركا منذ بزغ نجمها في الفضاء العالمي, وبخاصة بعد الحرب العالمية الثانية وقيامها بـ”ملء» الفراغ الناتج عن انهيار الامبراطوريتين الاستعماريتين البريطانية والفرنسية، لم تعمل على توحيد العالم خاصة في ظل الحرب الباردة, وإشعالها صراعاً محموماً مع الاتحاد السوفياتي, بل قامت بتمزيق عُرى الصداقة بين الشعوب وراحت تمارس أسوأ أنواع الهيمنة, المحمولة على غزوات وحروب وتدبير انقلابات وإذكاء نزاعات وحروب بين الدول المتجاورة, وداخل كل منها كحروب أهلية وحركات انفصالية، ما سمح لها بجلب نُخب سياسية ?حزبية لتولي الحكم فيها وانتاج طبقة فاسدة، ما يمُكِّنها لاحقاً من إطاحتهم وجلب مَن هم أكثر أخلاصاً وعمالة لها.

ماذا عن «حصة» الشرق الأوسط في هذا النظام العالمي الجديد الذي يقترحه بايدن للبشرية؟ بعد ان أَدخلَ بايدن نفسه وسط أجواء «سياسية حالمة» ومُدَّعاة بل مُختلقة عندما زعم أننا «أمضينا 50 عاماً في فترة ما بعد الحرب – العالمية الثانية- حيث عملت الولايات المتحدة بشكل جيد جداً، نحن بحاجة إلى نظام عالمي جديد»، مشيراً إلى أن «توحيد البشرية بشروط جديدة, سيُوسِّع آفاق السلام ولن يقللها».. إلى أن يختم قائلاً في رطانة إمبريالية معروفة: «إن الولايات المتحدة وشركاءها, يعملون من أجل مستقبل أفضل للشرق الأوسط».. لافتاً إلى ان ذ?ك «سيُفيد المنطقة والولايات المتحدة على حد سواء».

دعونا نُفكّك هذه الرطانة الأميركية, المُغلّفة بمفردات ومصطلحات مغسولة، شكّلت على الدوام ذُخراً «كلامياً» أميركياً وبضاعة فاسدة, لم تتوقف عن بيعها للمنطقة العربية, التي ابتليت بـ«نبت شيطاني صهيو ــ أميركي استعماري اسمه إسرائيل», عندما يدّعي قدرة بلاده على «توحيد البشرية» بشروط جديدة (أي بشروط أميركية إمبريالية صهيونية جديدة), زاعما ان تجسيد وتوحيد البشرية على أرض الواقع هو الذي «سيُوسع آفاق السلام». ما يعني أن الحرب الصهيوأميركية مُتعددة الأشكال والمقاربات, على معظم دول العالم ستتواصل بضراوة إلى أن يتم «توح?د البشرية», ولكن وهنا اللافت والأهم بشروط جديدة (أميركية طبعاً).

ما يُهيئ وِفق بايدن «الأجواء لتوسيع آفاق السلام (السلام الأميركي بالطبع), وتبقى حكاية او أُكذوبة أن الولايات المتحدة وشركاؤها (مَن هم؟ لم يقل بالطبع لكن إسرائيل ستكون في المقدمة) يعملون من أجل مستقبل أفضل للشرق الأوسط. (ما يعني إ

استناداً لأقواله, إستبعاد دول الشرق الأوسط «العربية بالتأكيد», من المساهمة في تحديد «نوعية» هذا المستقبل الأفضل, وليس أمامهم سوى القبول به تحت طائلة العقوبات والغزو والنبذ. خاصة أن ذلك المستقبل الأفضل للشرق الأوسط سـ«يُفيد الولايات المتحدة والمنطقة» كما زعم بايدن.

في السطر الأخير تثير أقوال بايدن هذه الرثاء, أكثر مما تثيره من إعجاب او قبول بها, خاصة ان عقدين من الإنتكاسات والهزائم الأميركية العسكرية والسياسية, وتراجع النفوذ وكراهية معظم شعوب المعمورة ورفضها سياسات الهيمنة والعدوانية الأميركية, وبروز قوى صاعدة ومُنافسة وقادرة على لجم الغطرسة الأميركية, قد سرّعت كلها في تصدّع وقُرب إنهيار النظام الدولي أحادي القيادة, القائم على القواعد الإستعمارية التي فرضتها واشنطن. وأن نظاماً دولياً مُتعدد الأقطاب يلتزم القانون الدولي والحوار والشراكة, قد بات في طور التشكّل والبروز.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى