مقالات

هل الآيات الكونية والظواهر الطبيعية عقاب أم ابتلاء أم اللهُ أعلم؟

 د. بشار شريف

أثار الزلزال الشديد الذي ضرب جنوب تركيا، وشمال سوريا اهتمام العالم؛ وذلك بسبب قوته الشديدة، وما رافق ذلك من وفيات ومصابين ومفقودين تحت الأنقاض، و دمار في البنى الفوقية والتحتية..

وفي خضم هذا الحدث فإننا ابتداءً ندعو الله أن يلطف بأهلنا في سوريا وتركيا ممن أصابهم هذا الزلزال، وندعو الله أن يتقبل المتوفَّيْن عنده شهداء، وأن يشفي المصابين، وأن يخرج مَن تحت الأنقاض سالمين غانمين معافَين، وأن يعوّض الله على الناس خسائرهم المادية، وأن يلهمهم الصبر والسلوان، وعظيم الإيمان بالصبر والاحتساب إنه نعم المولى ونعم المجيب..

ولكن في المقابل عند كل حدث عظيم لا بد أن تظهر فئة من الناس تحلل الأسباب وتخرج بنتائج.. وهذا بحد ذاته جيد، لكنه إذا لم يُراعَ فيه حسن الاستقراء، وخلا من النظرة الكلية والسياقية للأدلة، وترافق مع عدم مراعاة واجب الوقت وظروف الناس كانت نتائج مثل هذه التحليلات تعبر عن انحسار في الإنسانية، وتتسبب في جدالات عقيمة ليس هذا وقتها.. لكنها تتلخص فيما جاء في عنوان هذه المقالة من تساؤل..
#التوضيح
١-أقدار الله – سبحانه وتعالى – هو وحده من يعلم أهدافها وغاياتها ، ولا نعلمُ ولا نستطيع أن نجزم بغاية الله من أقداره إلا بما أخبرنا به وصرح لنا عنه في كتابه الكريم؛ كما صرح عن هلاك عاد وثمود، كما في قوله تعالى: ( فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية ( 5 ) وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية ( 6 ) الحاقة..

وكذلك الحال في الحديث عن هلاك فرعون، وقوم لوط، وقوم شعيب..؛ حيث كان جُلّ هذه العقوبات من خلال ظواهر طبيعية، لكننا لم نجزم بأنها كانت عقوبات إلا حينما صرّح لنا مولانا – سبحانه وتعالى – بذلك؛ لأنه هو صاحب الأمر والشأن..

٢- لا نستطيع قياس أي مصاب جلل سببه الظواهر طبيعية على ما جرى للأقوام السابقة بالجزم بأنها عقوبة؛ لأن الله لم يخبرنا بذلك..

٣- النصوص القرآنية التي يستشهد بها البعض لإثبات نظرية العقوبة ناهيك عن كونها منتزعة من سياقها، فإنها لا تتحدث عن المصائب على أنها شيء واحد ؛فعلى سبيل المثال :
قوله تعالى في سورة الشورى :
“وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ”

وقوله تعالى :
“مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍۢ فَمِنَ ٱللَّهِ ۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍۢ فَمِن نَّفْسِكَ ۚ وَأَرْسَلْنَٰكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا”

فإذا أردنا أن نبتعد عن سياق الآيات، ونعمل بقاعدة ( العبرة بعموم اللفظ) فإن الآيتين تتحدثان عن المصائب التي يتسبب فيها الإنسان تسببًا مباشرا؛ فهناك مصائب قدرية محضة، وهناك مصائب قدرية بأسباب مادية أو بشرية، وهذه هي المقصودة في هاتين الآيتين وما شابههما ؛ فالمصيبة التي يصاب بها الإنسان نتيجة إهمال أو تقصير أو جهل أو تغليب هوى هي التي يلام فيها الإنسان، ويقال له : ذلك بما قدمت يداك..
أما المصائب القدرية المحضة التي عبر عنها – سبحانه وتعالى- بقوله : ” قل كل من عند الله”، فلا نستطيع أن نجزم بأنها عقوبة أو أنها ابتلاء..؛ لأن الحياة قائمة على المكابدة والاختبار بشكل عام، وهي دار بلاء وفناء وليست دار جزاء، والله تعالى يقول :
“وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍۢ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰٓ أَجَلٍۢ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَـْٔخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ”

ويقول أيضا :
“وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍۢ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰٓ أَجَلٍۢ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِۦ بَصِيرًۢا”

٤- هناك آيات في القرآن تتحدث عن غايات متعددة مهمة جديرة بالاهتمام والالتفات إليها من إرسال الله آياته؛ فمثلا :
” وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيات إلا تخويفا .
#الخلاصة

هذه الآيات آيات، ليست للتشفي ولا للجزم بالعقوبة أو الابتلاء، وإنما هي آيات نتذكر فيها – جميعا – عظمة الله وقدرته لعلنا نعود إليه من تقصيرنا – فكلنا مقصرون -، وأما من أصيبوا بهذه المصائب فحقهم الشرعي والأخلاقي علينا أن نؤازرهم ونساعدهم بما نستطيع من مال ومأوى، فإن لم نستطع فلا أقل من أن ندعو لهم، ونطيب خواطرهم بعذب الكلام وطيبه؛ فقد أصيب خير الناس في خير القرون من الصحابة الأخيار فكانوا بحاجة إلى من يعينهم فكانت الهجرة، وكان الأنصار..
وقد أصيب أمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح بالطاعون وتوفي فيه – رضي الله عنه –

ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى