مقالات

هل يحتاج الأردنيون مزيداً من «الصور» ؟!

حسين الرواشدة

ما الذي يطلبه المواطنون الأردنيون ( المشاهدون: أدق) من النخب الجديدة و العتيدة، والاحزاب الوليدة، في هذه الايام الحبلى بالمفاجآت..؟

سجّل عندك : صورة (للأخ الكبير) الذي يوزع مقاطع الحكمة المتأخرة امام الشاشات الافتراضية ويحذرنا من القادم، صورة اخرى ( لزعيم ) حزب لم ير النور بعد، والى جانبه بعض المؤسسين، يستعرضون افكارهم ومواقفهم امام مجموعة من الشباب، ثم يوزّعون بينهم الغنائم القادمة ؟ صورة، ثالثة، لاطلاق نسخة معدلة لحزب قديم، باحتفال مهيب، حيث يجلس المئات على المدرجات وملامح وجوههم متعبة، فيما يجلس على المنصة (كبار القادة الحزبيين ) مبتسمين ؟ صورة، رابعة، عائلية للاردن الجديد المحمول على اجنحة المزايدات السياسية، في ندوات يصرخ فيها الجميع على البلد، وبلدنا العزيز يتحمل ولا يتكلم، خوفا من الاتهام بالتقصير..؟

هل يحتاج الأردنيون صورا أكثر، وأكثر ؟، ربما، الكاميرات جاهزة، فنحن نعيش في عصر» الفرجة « حيث يتولى الاعلام، تشكيل توجهاتنا وافكارنا ومزاجنا العام، على اساس الصورة لا الحقيقة، وبما يتناسب مع ما نسمعه ونراه لا ما نعقلة او نقتنع به، او نريده، وحيث يتبادل السياسيون على الحلبات مهاراتهم باللسان والبيان، ويذكروننا بانجازاتهم (مصائبنا)، دون ان يرف لهم ضمير، فيما يخرج المزارعون والعمال والمعلمون والعسكر للقيام بواجبهم النبيل، دون ان يطلبوا صورة، او كلمة : شكرا، من أحد.

في مجتمعنا، مجتمع «الفرجة» هذا الذي يقدم السمع والبصر على العقل، يتصور البعض ان الناس تتلقى الصور فتصدمها وتدفعها الى قبول الوقائع وكأنها حقائق لا تحتاج الى اي نقاش، ويتصورون، ايضا، ان اسئلة الجمهور الذي يجلس على مقاعد المتفرجين ستنصب حول هذه الصور فقط، وهي فرصة – بالطبع – لطرد أسئلة اخرى من اذهانهم اهمها : اين نحن الان، وماذا نريد، وفي اي اتجاه نسير..؟ وأسئلة من نوع : ماذا فعلتم أيها السياسيون حين كنتم في مواقعكم، وماذا ستفعلون اذا ركبتم موجة الاحزاب والسياسة على ظهورنا من جديد، وعدتم إلينا مرة أخرى ؟ ماذا تريدون من الاردن، وماذا يريد منكم ايضا؟

ما لم تستطع ان تجيب عنه السياسة، او تفعله، بأحزابها ونخبها الوليدة والتليدة، تنهض به وسائل الاعلام، في الواقع الافتراضي لا غير، وما نعجز عن تنفيذه نكثر من الحديث عنه، ونقتله بالكلام والصور، وهذه – بالطبع – سمة كثير من المجتمعات التي تعودت على الهروب من العمل الى الكسل، ومن الواقع الى المجهول، ومن محاسبة الذات الى ابتداع الذرائع وتعليقها على الآخرين، ومن الانجاز الى تمجيد ما يمكن ان ينجز، ومن مناقشة السياسات الى ملاحقة اخبار الساسة، وصورهم، ومبارياتهم الودية وغير الودية.

الفراغ الذي يتركه غياب الفعل السياسي الحقيقي لا بد أن يجد من يملؤه، لا تسأل – بالطبع – كيف؟ فقد تابعنا على امتداد الايام الماضية فصولا مدهشة من التصريحات والخطابات والنقاشات التي تتحدث عن كل شيء، ولا نفهم منها اي شيء، وفصولا اخرى من التحليلات والتنبؤات التي تفوّق اصحابها على قراء الكف والفنجان، وكاد بعضنا ان يتحول – فعلا – الى كتابة الابراج السياسية او مطالعة ما ينشر في صفحات حظك اليوم – ولكن بنكهة سياسية هذه المرّة – اما مجتمعنا فقد تحول الى مجرد (اسنفجة) تمتص كل شيء، لكنه لم يعد قادرا على المزيد من الامتصاص، أتعبه الكلام الطويل عن الفرج الذي سيأتي، وعن الخطر الداهم، وخذلته بعض النخب التي استنزفته بشعاراتها المغشوشة، وحكمتها المتأخرة، ومزايداتها الخبيثة، فلم يعد يهتم بها، او يصدقها، ولا يثق بها ولا بالسياسة.

للتذكير فقط، التحولات التي اجتاحت عالمنا العربي منذ اكثر من 12 عاما – وما تزال – لم تُسقط، فقط، « وهم» الصور التي انشغل المخرجون بالترويج لها لاشغال المشاهدين وإلهائهم، ولا شرعية النخب التي استهترت بالناس، ولا الضمائر التي ماتت على كراسي المسؤولية، وانما اسقطت، قبل ذلك، «أوهام» الثقافة الفاسدة، ومنابر الوعي المغشوش، وضمائر المثقفين الذين خدعوا جماهيرهم وأضلوهم، أسقطت انتهازية أصحاب الصوت العالي، ومدبجي البيانات الرنانة، و»أكاذيب» الأحزاب التي تقود الجماهير للصراخ بالشارع، وسطوة الإعلام «الطبل» الذي لا يجيد إلا التصفيق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى