مقالات

تساؤلات في الدولة وعنها

مالك عثامنة

في عام 2013، قرأت بتمهل وانتباه كتاب السياسي والكاتب الايراني الراحل وقتها حديثا، إحسان نراغي، وعنوانه “من بلاط الشاه إلى سجون الثورة”.

الكتاب مهم جدا، من كاتب عرف سجون الشاه وعرف الشاه نفسه والتقاه لساعات طويلة منفردا.. ثم عرف الثورة الخمينية وعرف سجونها الثورية كثيرا.

وهو من الكتب التي احتفظ بملاحظات واقتباسات أدونها مباشرة لأهميتها، ومن الكتاب ذاته أعيد نشر اقتباس مهم، أراه ضرورة لكل ما سبق من حديث، مع مراعاة عدم الإسقاط للتباين الكبير بين الحالتين، حيث يقول نراغي وهو يخاطب الشاه نفسه في خلوات خاصة بينهما:

“وهذا راجع خصوصا إلى النظام. النظام الهرمي حيث رئيس الوزراء لا يهتم إلا بما يأتيه من فوق. لا أحد يشعر أنه مسؤول على الصعيد السياسي لأن كل القرارات المهمة تصدر عنك وحدك (أي الشاه). بما أنك انفردت بتحديد الأهداف، فإن النخبة اعتبرت أن دورها ينحصر بتزويدك بالمعلومات التي تتفق مع خطك السياسي. هذه النخبة استغلت ذكاءها وعلمها لتتبعك، أي، بدافع من قوة الأشياء ذاتها لتمنع عنك الرؤية. أردت أن تضع تكنوقراطيين في كل مكان، والتكنوقراطي آلة لا تجيب إلا عن الأسئلة التي تطرح عليها، وهي لا تطرح الأسئلة من جهتها”.

الاقتباس أعلاه كتبته سابقا وقد تداوله عديد من رواد وسائل التواصل الاجتماعي كتوظيف يعكس حالة الاحتقان المزمنة التي يعيشها الأردن في أزماته السياسية المحلية (المرتبطة دوما وأبدا بأزمات إقليمية تحيط به وتؤثر عليه)، وهذا التوظيف يصبح في غير محله إن كان يقوده الغضب لا العقل.

في المحصلة، وهو ما أؤمن به وترسخ عندي “شخصيا” منذ تداعيات ما تم تسميته بملف “الفتنة” أن البوصلة دوما هي الدستور، وأنه عطفا على ذلك فإن الملك هو الملك، رأس الدولة بمؤسساتها الدستورية والدستورية فقط.

من كل ما قرأت وسمعت والتقيت وشاهدت فإنني مطمئن لقناعاتي الشخصية أن الملك يرغب بالتغيير فعلا، وهي رغبة ليست جديدة ولا مستحدثة، مما يجعل لرأس الدولة أهدافا يحددها للدولة، وعنوانها الأساسي التغيير الإصلاحي!

وفي العقد الأخير تكثفت رغبة الملك “والدولة” بضرورة الإصلاح والتي تجلت بالكامل في أوراق سياسية “تحدث عنها كثيرون وقرأها فعليا القلة” وترافق مع الأوراق وبعدها حزمة تحركات سياسية تحاول دفع الفكرة الإصلاحية نحو التطبيق والتنفيذ لكن النتائج كانت معاكسة لجاذبية الفكرة الإصلاحية نكوصا نحو الخلف.

كل رجال الملك “بالمعنى الاصطلاحي طبعا” هم مراكز قوى، ومراكز القوى تلك تلقت الفكرة الإصلاحية من رأس الدولة عموديا وعالجتها بذات الشكل العمودي دون تفكيكها وتوزيعها أفقيا على المؤسسات في الدولة.

وفي التغذية الراجعة، كان الكل “على حق” وهو يقدم تقريره للملك بثقة تعكس قناعة كل جهة في مؤسسات الدولة ومراكز القوة فيها بأن المهمة تم تنفيذها بنجاح.

وفعليا، لم ينجح أحد.

هذا التواصل العمودي مع ملك يريد أجوبة على أسئلته الإصلاحية، انتهى إلى أجوبة مفيدة وكاملة الصحة لتجاوز الامتحان، لكنها ليست الأجوبة المطلوبة لرأس الدولة، والدولة – كما الوظيفة فيها- ليست امتحانا في المحصلة.

الأمثلة على هذا التواصل العمودي كثيرة، لكن ماذا لو شهدنا فرصة حوار “عرفناه وشهدناه سابقا في تاريخ الدولة” في مجلس الوزراء حيث يطرح الملك وهو رأس الدولة تساؤلاته على حكومته، ويجيب رئيس الحكومة على الملك لحظتها بصراحة بأجوبة وأسئلة تصنع حوارا حقيقيا في اتجاهين وأكثر، بدلا من إجابات “غامضة” تم ترحيلها إلى مقابلة تلفزيونية بدت كأنه امتحان سريع في البلاغة وتم اجتيازه.

الدولة، وعملية استعادتها تستحق ذلك على الأقل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى