مقالات

«شرارات» بحاجة إلى إطفائيات سياسية

حسين الرواشدة

إذا كان يحق لي أن أقدم نصيحة للمسؤولين في بلادنا؛ أرجوكم اطفئوا الشرارات قبل أن تندلع الحرائق، صحيح أننا ضيعنا فرصة استباق أزماتنا ومشكلاتنا بحلول وانفراجات قبل أن تتراكم، لكن الآن حصل ما حصل، المطلوب أن تتحرك إدارات الدولة كلها، بما تمتلكه من اطفائيات، لتبريد حالة الغضب، و استيعاب «فورة» القهر واليأس، وتقديم ما يلزم من تنازلات لتطمين الأردنيين على أن مطالبهم المعيشية قيد الاستجابة.

اضطرابات النقل العام التي بدأت «بالشاحنات « في معان، ثم امتدت إلى «الباصات « في الكرك، وترددت اصداؤها في اكثر من محافظة، هي الشرارات التي يفترض أن نفتح لواقطنا السياسية لاستقبال اشاراتها و ذبذباتها، العاملون في هذا القطاع يمثلون اكثر الطبقات الاجتماعية تأثرا من رفع أسعار المحروقات، ويعكسون حالة «العسر» الاقتصادي التي تعرض لها مئات الآلاف من العمال، خاصة بعد أزمة كورونا، وأخشى أن يلتحق بهم قطاعات اجتماعية أخرى، لا تقتصر على الطبقة الفقيرة فقط، وإنما الوسطى أيضا.

لا نريد أن يحدث كل ذلك، فقد جرب غيرنا مثل هذه الوصفات، وكانت النتيجة هي الفوضى التي أجهزت على كل شيء، نريد، فقط، أن يتحرك العقلاء في بلدنا فيستدركون مآلات الأحداث الصغيرة بما يلزم من فهم، ويتعاملون معها بما تستدعيه المصلحة الوطنية، لا أن يستهينوا بها، كما فعلنا أكثر من مرة، فتتحول إلى أزمات لا طاقة لنا بمواجهتها، ولا لابتلاع ما يمكن أن تتسبب به من خسارات.

لمن لا يعرف، او لا يريد أن يعرف، بلدنا يعاني من احتقانات عميقة ومتراكمة، عكستها مؤشرات فقدان الثقة بين الأردنيين ومؤسساتهم، وداخل مجتمعهم أيضا، كما عكستها حالة السوداوية والإحباط التي عطلّت «ماكينة « الدولة والمجتمع معا، وبالتالي يفترض أن نتعامل مع ما يحدث من منطلق فهم حالة المجتمع، و التحولات التي جرت فيه، ثم الإصابات التي طرأت عليه لأسباب سياسية واقتصادية، داخلية وخارجية، الأردنيون تغيروا كثيرا، والضغوطات التي تعرضوا لها خلال السنوات الماضية (كما تشير أرقام الفقر والبطالة وغيرها )، ولّدت لدى أغلبيتهم ما يشبه المعادلة الصفرية في حسابات الربح والخسارة.

الأخطر من ذلك أن ثمة من يترصد ببلدنا، في الداخل والخارج، هؤلاء جاهزون لركوب الموجة، وصب الزيت على النار، و استغلال أي صرخة يطلقها أي أردني، لا نريد، أبدا، أن نترك لهم فرصة العبث في بلدنا، أو استخدام مشكلاتنا لتمرير ما يخططون له، فأكثر ما يسعدهم أن نتحول إلى موضوع للنقاش على طاولة أزمات يبحثون عن حلول لها، تصب في مصالحهم، بدل أن نحضر كطرف قوي، بجبهة داخلية موحدة، تنكسر عليها كل من مكائدهم.

حتى الآن، ما نزال -للأسف- نجلس على مقاعد المتفرجين، بعضنا لا يصدق ما يجري من تحولات في مجتمعنا، وبعضنا لا يريد أن يصدقها، أو يعتقد أنها مجرد سحابات عابرة، كل ما أتمناه أن نخرج من دوائر الإنكار والانكسار، مهما كانت أسبابها، لنواجه مشكلاتنا التي بدأت شراراتها تلمع على سطوحنا، بما يلزم من إسعافات وأدوية سياسية واقتصادية، ومن استبصار وحكمة، فما نراه لا يبدو مزحة ثقيلة الدم، كما يراها البعض، وإنما جدّ ولا هزار فيه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى