مقالات

البنى التحتية بين البيروقراطية والإنجاز

فايز الفايز

لنتذكر تاريخ الأرض الأردنية والذي قرأناه بعد أن وصلنا الوعيّ في نهاية الدراسة الثانوية، ولنبقى في محور واحد بعيداً عن الجدل السياسي، إذ نشأت أول إدارة رسمية على أرض الأردن في العام 1921، ولم يكن هناك حسب ما كتب الرحالة الغربيون أو الباحثون الأردنيون من الرعيل قبل الأول أن هناك طريقاً معبداً، بل كانت قوافل الجمّال والبغال تستخدم الطرق المرصوفة بالحجارة، أكان ذلك في مناطق الجنوب وما يطلق عليها اليوم الطريق الملوكي، أو الطريق المرصوف بالحجارة من محطة القطار العثماني في أم الحيران اليوم، لتسلك أراضي عبّاد والسلط نحو فلسطين، وغير ذلك لم يُذكر أي إنشاء للطرق سوى الخط الحجازي 1908.

اليوم يرى الجميع من الطُرة وحتى العقبة كيف تمددت شبكة الطرق وكم أنفقت وزارات الأشغال المتعاقبة من مليارات عبر سنين طويلة لتطرح عطاءات إسفلتية ابتلع المتعهدون منها مليارات الدنانير غير المحصيّة، وكان ذلك كبداية للإعمار وتسهيل حركة المرور للطرق الرئيسة العابرة للمملكة وأغلبها باتجاهين لا يفصلهما حاجز، وحتى بداية العام 2008 بدأت الطرق الحديثة تصل الى مناطق ملاصقة بالعاصمة عمان، كمثال، وهذا أخذ منا ما يقرب من سبعين عاماً.

من هنا نجد الفرق بين البيروقراطية المقيتّة التي اتكأ عليها كثير من العابرين على الوزارات والمعاونين، لعدم إيمانهم بضرورة شبكات الطرق في بلد يقع في قلب العالم العربي غرب آسيا، وتمر عبره آلاف القاطرات وحركة المرور من مختلف الدول العربية بكافة الاتجاهات، أكان من والى سوريا والدول الأوروبية، أو بالعكس نحو دول الخليج العربي والعراق، ولا زالت العقلية الرأسمالية تسيطر على القرار، فتطرح وزارة الأشغال عطاءات لتعبيد الطرق والأصل أن يكون لديها طواقم عمل توفر ملايين الدنانير، ناهيك عن الوزارات الأخرى كالتربية والتعليم التي تعتمد إنشاء المدارس عبر الأشغال وبعطاءات رديئة وطرق اردأ.

أدرك أن المُقدمة مملة، ولكن حينما ترى الكثير من المشاريع التي تعطلت والبنايات الضخمة التي لم تستكمل والفساد في تلزيم العطاءات لمشاريع ومبادرات عليا كسكن كريم الذي أفشله أصحاب السطوة ممن أحيلت عليهم، فليس لك إلا أن تسأل: أما آن لأولئك الرهط ممن يبتزون الحكومات أن يحاسبوا على ما فعلت أيديهم، وتراهم في المقاعد لا يتركون فرصة إلا ويطلقون سهامهم على الحكومة، وبكل بجاحة يتطاولون في البنيان المالي والسكنيّ الممتاز، فيما فقراء البلد لا يجدون أجرة سكن.

وإن زدنا هنا من مشكلاتنا، نجد أن أي مشروع لانشاء جسر معلق أو نفق للمرور يأخذ سنوات حتى ينتهي، ولو تذكرنا متى بدأت فكرة مشروع الباص السريع عام 2007 ولم ينته إلا قبل عام واحد، لوجدنا كمية الهدر المالي والزمني، حتى أن الفكرة الأفضل كانت لما يسمى «منوريل» تستخدم فيه القاطرات المحمولة بالأعمدة عبر كافة شوارع العاصمة، وللنظر أيضا الى التكاليف الباهظة لأزمات المرور التي أصابت المواطنين في العاصمة وبقية مدن المملكة بحالة من الهستيريا والحنق وتبديد الوقود وتأخر وصول الناس الى أعمالها، ثم ترمى اللائمة على مرتبات إدارة السير التي لا يمكنها حلّ مشكلتنا المستعصية.

ومع ذلك نرى أننا أمام فرص مواتية للتغيير، ولنقارن جهازنا العسكري والأمني بالجهاز الإداري، فالأولان يبدعان في واجباتهم وأعمالهم، فيما عشرات آلاف الموظفين الرسميين لم يجترحوا حلاً لأزمة سير أو بدائل سريعة للمشاكل العالقة، والتي يظهر العجز المالي دائما كمبرر، بينما نستطيع حلب النملة لو أردنا، وإيقاف العطاءات من الباطن، ليس حسدا ولكن حباً بالله، وبأعصاب الناس المتعبة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى