مقالات

أكاديمية وطنية للقيادة

سامح المحاريق
بدايةً علينا أن نعترف بأنه لا يمكن إصلاح تراكم الأخطاء في بنية مؤسسات التعليم والتعليم العالي ولا سيما أن بداية الخروج عن الطريق يعود إلى منتصف السبعينيات، مع تعمق المشكلة في مطلع التسعينيات وافتتاح الجامعات الخاصة والتوسع في الجامعات الحكومية والتراجع في المقابل عن دور كليات المجتمع التي كانت ترفد القطاعين العام والخاص بحاجاتهما من الموظفين المؤهلين الذين يستطيعون أداء المهام التشغيلية وصولاً إلى مرتبة القيادات الوسطى، وحتى أن كثيراً من خريجي هذه المنظومة تمكنوا من تحقيق ما هو أبعد من ذلك.

بعد عقود من الانكباب على التعليم الجامعي الممول من الحكومة بوصفه غاية في حد ذاته، ومن غير الوقوف على ضرورات التخطيط من أجل التحديات الواقعية، وجد الأردن نفسه أمام حقيقة التخصصات الراكدة، ومعها تخصصات أخرى، أخذت تحتشد بالخريجين مثل العلوم السياسية، ولم يسأل أحد نفسه ما حاجة الأردن إلى آلاف من الخريجين في تخصص نوعي يفترض أن يدرسه بضع مئات كحد أقصى، فما حدث، وبكثير من التجرد والمباشرة هو عملية تعليب للشهادات من أجل ارضاء الطلب على التعليم العالي، متطلبات جامعة وأخرى للكلية ثم ساعات من الدراسة ونحصل على خريج ف? تخصص معين، وهو لا يستطيع أن ينافس من خلال المحتوى العلمي الذي تحصل عليه خريج نفس التخصص في لبنان أو تونس أو مصر، عدا عن الدول الغربية التي تدمج التعليم بالممارسة من خلال برامج تدريب وتأهيل حقيقية.

عندما تتعقد مشكلة، ولحين العمل على إجراء الإصلاحات اللازمة، فمن الحلول المناسبة العمل على تجاوزها والهرب إلى الأمام، وتمارس بعض الدول استراتيجية الابتعاث للحصول على الاحتياجات التخصصية المطلوبة التي لا يستطيع نظام التعليم السائد تغطيتها نوعياً أو كمياً، والمشكلة أن العمل على تعزيز الابتعاث أمر مكلف قياساً بالظروف المالية القائمة، ويصبح العمل على تأسيس أكاديمية متخصصة للقيادة في مجال الإدارة العامة والأعمال تستطيع أن تخرج قادة التغيير على المستوى المؤسسي هو الحل.

كيف يمكن لهذه الفكرة أن تنجح ضمن بنية فكرية سائدة في المجتمع تحاول الحصول على الأفضل لأبنائها، وذلك من خلال استثمار علاقات القرابة والمصلحة، بمعنى كيف يمكن أن تتحقق العدالة التي تجعل القبول في هذه الأكاديمية أمراً يخلو من التنازع حول الأحقيات والأولويات، وبما يجعل قبول خريجيها في المؤسسات العامة لاحقاً أمراً مستساغاً.

لتجنب إعادة اختراع العجلة فإن امتحانات الثانوية العامة ما زالت تحظى باحترامها نتيجة تصحيح أوراقها بناء على الأرقام والرقابة على ذلك، وبما يجعل التقدم بصورة مُجهلة بالنسبة للجان المقابلات التي تتولى مقابلة المرشحين، بمعنى إلغاء الخلفية الشخصية والاجتماعية للمتقدمين، والتركيز على تحصيلهم العلمي ومنجزاتهم وأفكارهم ومهاراتهم، ولا يمنع شيء، ومن غير أن يكون ذلك مدعاة لنقد أو اتهاماً بالتقصير، أن تطعم لجنة الاختيار بأسماء مرموقة عربياً ودولياً تتحرر بصورة كاملة من أي ضغوطات، مع وجود نسبة التحيز الإيجابي للمرأة وذ?ي الإعاقة.

للأردن علاقات مرموقة مع الكثير من الأكاديميات الدولية مثل الساند هيرست في بريطانيا، وتوجد تجارب ناجحة كثيرة في تأسيس بعض الجامعات والكليات المرموقة على المستوى المحلي، وبتأهيل مائة طالب سنوياً يمكن توفير مؤونة من القادة الحقيقيين الذين يحملون ثقافة نوعية توفر على المؤسسات الكثير من المشكلات في مرحلة احتضان المواهب وتبنيها وتطويرها، بل وتضع أمام الأمر الواقع المؤسسات التي ترتضي بواقعها ولا تسعى لتجاوزه.

ستحضر قوى الشد العكسية، ولذلك يجب أن تكون هذه الأكاديمية مشروعاً وطنياً يتطلع لتأسيس أكاديمية تشبه المدرسة الوطنية للإدارة في فرنسا والتي أعلنت حضورها من خلال رؤية دمقرطة الوصول إلى المناصب المدنية العليا في فرنسا وما زالت إلى اليوم تشكل المزود الرئيسي لهذه الفئة من القادة والمدراء لجميع مؤسسات فرنسا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى