منوعات

عبدالعزيز المقالح… يكمل حفر الثغور ويموت على وجه الجدار

أخبار حياة – “سنظل نحفر في الجدار، إما تركنا ثغرة للنور أو متنا على ظهر الجدار”، عبدالعزيز المقالح، ديوان “أبجدية الروح” 1998.

عبر الأديب عبدالعزيز المقالح عن لسان حال اليمنيين قبل عقود على الجدار ذاته الذي طالما أحدث قلمه في جوفه ثغوراً غائرة قبل أن يعلن وفاته اليوم، وكأنه يعلن سد ذلك الجدار للأسباب ذاتها التي لأجلها أعلن من إذاعة صنعاء “قيام الجمهورية” عندما أوكلت إليه مهمة تلاوة بيان الوحدة وانتهاء “حكم الإمامة” في عام 1962، تاركاً القصيدة والقافية ترزح فوق أسوار “أبواب صنعاء السبعة” مثقلة بمعاناة الناس تبحث عمن يفتح ثغرة أخرى قبل انهيارها النهائي.

ذهن ثائر على الدوام

ونعى مسؤولون حكوميون وأدباء رحيل عبدالعزيز المقالح الذي ولد في عام 1937، وشغل مناصب حكومية وإدارية وتنويرية متعددة، أهمها رئاسته جامعة صنعاء كبرى الجامعات اليمنية، وتركه بصمة في ظل محيط طارد للإبداع ويجرم الكلمة والتعليم والتنوير والفكر.

وبرحيله، تحولت مواقع التواصل الاجتماعي في اليمن إلى ساحة عزاء كبير ترثي الثورة والجمهورية وصنعاء، حيث اعتبره كثيرون أحد أبرز الأدباء والكتاب والمثقفين في الوطن العربي.

ولد المقالح في عام 1937 بمحافظة إب (وسط اليمن)، وحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة عين شمس المصرية عام 1977.

وعين أستاذاً للأدب والنقد الحديث في كلية الآداب بجامعة صنعاء، ثم رئيساً للجامعة من 1982 – 2001، ورئيساً لمركز الدراسات والبحوث اليمني – صنعاء، ومستشاراً ثقافياً للرئيس علي عبدالله صالح.

شاعرية ثائرة لا تهدأ

ظل الراحل غزيراً بشاعريته ودراساته النقدية، وألف عديداً من النتاجات الأدبية، لعل أهمها “لا بد من صنعاء” في 1971، و”مأرب يتكلم” بالاشتراك مع السفير عبده عثمان في 1972، و”رسالة إلى سيف بن ذي يزن” في 1973.

وأيضاً “هوامش يمانية على تغريبة ابن زريق البغدادي” و”عودة وضاح اليمن” و”الكتابة بسيف الثائر علي بن الفضل” و”الخروج من دوائر الساعة السليمانية” و”وراق الجسد العائد من الموت” و”أبجدية الروح”.

وألف أيضاً مجموعة دواوين سميت “كتاب صنعاء، وكتاب القرية، وكتاب الأصدقاء، وكتاب بلقيس وقصائد لمياه الأحزان، وكتاب المدن”.

ومن المؤلفات النقدية “أولويات النقد الأدبي في اليمن” و”الأبعاد الموضوعية والفنية لحركة الشعر المعاصر في اليمن” و”شعر العامية في اليمن” و”قراءة في أدب اليمن المعاصر” و”أصوات من الزمن الجديد” و”الزبيري ضمير اليمن الوطني والثقافي” و”يوميات يمانية في الأدب والفن” و”قراءات في الأدب والفن” و”أزمة القصيدة الجديدة” و”قراءة في فكر الزيدية والمعتزلة”.

وألف أيضاً “عبد الناصر واليمن” و”تلاقي الأطراف”، و”الحورش الشهيد المربي” و”عمالقة عند مطلع القرن” و”الوجه الضائع” و”دراسات عن الأدب والطفل العربي” و”شعراء من اليمن”.

مكافأة العطاء
ونتيجة لهذا الكم الزاخر من العطاء المبدع، حاز المقالح عديداً من الجوائز الرفيعة من أبرزها جائزة (اللوتس) عام 1986، وحصل على وسام الفنون والآداب – عدن 1980، ووسام الفنون والآداب – صنعاء 1982، وجائزة الشارقة للثقافة العربية بالتعاون مع اليونسكو في باريس 2002.

وحصل على جائزة (الفارس) من الدرجة الأولى في الآداب والفنون من الحكومة الفرنسية 2003، وجائزة الثقافة العربية من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم 2004.

تحت ظله الطويل

وتداول أدباء وكتاب وإعلاميون عبارات الرثاء التي تطرقت إلى مناقب المقالح وأثره الكثيف في الساحة الإبداعية اليمنية والعربية.

يقول الكاتب والروائي اليمني مروان الغفوري إن المقالح ولد وعاش ومات في اليمن، البلد الذي وضعته الظروف على حافة التاريخ، جلس وقرأ وكتب وجلس وكتب ونشر، وجلس وعلم وقدم وقاد وألهم.

وأضاف “فعل كل ما ينبغي لأب مؤسس أن يفعله، لقد أنجب أمة بالكامل، وهذه ليست مبالغة”.

واختتم “ستعيش أجيال كثيرة في الظل الطويل لعبدالعزيز المقالح”.

أعز ما يملك الأدب

واعتبر الكاتب عبدالله الصعفاني أن الموت “خطف من الأدب اليمني أعز ما يملك”.

ووصف رحيله بأنه “رحيل مؤلم للأدب والثقافة والتأريخ والفن والنظرة الموضوعية”.

في حين قال الكاتب سامي غالب إن المقالح أحد من صاغوا ذائقة اليمنيين وتفضيلاتهم منذ ستينيات القرن الـ20، وممن “شاهد وعود الستينيات والسبعينيات تتبخر واحداً تلو الآخر، ثم رأى الثورة التي كانت أبرز عناوينها تستباح باسم العصبية القبلية والتوريث أولاً، وباسم الولاية ثانياً”.

في عشق صنعاء

لطالما عبر المقالح عن حبه لصنعاء، عاصمة اليمنيين ومدينتهم التي يهيمون في جمالها عشقاً، ولهذا لم يكن مستغرباً أن يختصها عن سائر المدن بكم زاخر من القصائد التي تتغنى بما حوته من جمال وفن معمار وهواء لطيف.

كانت المدينة بمثابة التوأم الصنو الذي يأبى فراقه، أو المرأة المعشوقة التي تطل عليه كل صباح “في اكتمال الأنوثة”، إذ كان يرفض قطعاً كل المحاولات لمغادرتها للعلاج، بوصفها “الفردوس ذات الأبواب السبعة”.

ويقول عن صنعاء “هي عاصمة الروح أبوابها سبعة، والفراديس أبوابها سبعة، كل باب يحقق أمنية للغريب، ومن أي باب دخلت سلام عليك. سلام على بلدة طيب ماؤها، طيب في الشتاءات صحو أليف، وفي الصيف قيظ خفيف، على وابل الضوء تصحو وتخرج من غسق الوقت سيدة في اكتمال الأنوثة، هل هطلت من كتاب الأساطير أم طلعت من غناء البنفسج أم حملتها المواويل من نبع حلم قديم؟!”.

بعد الشاعر الكبير عبدالله البردوني يأتي الشاعر والأديب عبدالعزيز المقالح كرافعة ثقافية وأدبية راسخة، فهو الشاعر شديد الشعور بالناس، وحاجتهم إلى الثقافة والأدب والثورة، وظل خلال حياته الثقافية يطعمهم شعراً وفكراً، ممزوجين بالرفض للظلم والاضطهاد. وهو الشاعر وثيق الارتباط بالوطن، متين الانتماء لترابه، حتى إنه ومن دون باقي الشعراء والأدباء ظل لخمسين عاماً في صنعاء ولم يغادرها إلا مرة واحدة كانت إلى عدن.

واليوم، تودع صنعاء عاشقها الوفي واقفاً على قدمين لم تزحزحها غزوات “الأئمة الجدد”، مستنداً على إرث أصيل من الكلمة الفذة التي لم تخرج عن وزن مبادئه التي لطالما آمن بها على رغم مغريات السياسة وتلويثاتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى