مقالات

القطار وآخر راكب في الإقليم

في آذار الماضي، صرح وزير النقل والخدمات اللوجستية السعودي بأن السعودية أنجزت من جانبها خط سكة حديد يصل منتهاه إلى الحدود الأردنية. الإعلان لم يكن عن نية إنشاء سكة حديد بقدر ما هو إعلان عن إنجاز تلك السكة الحيوية والمهمة من وزير يحمل حقيبة النقل “والخدمات اللوجستية” وهي تسمية تعكس فهما سعوديا معرفيا واضحا للتغيرات العالمية والإقليمية، وحينها كنت بدأت بالبحث عن تلك التغيرات التي تضع أساسات البنية التحتية الجديدة والضخمة لإقليم يستدير بالكامل نحو المشاريع الإقليمية التكاملية وتفاهمات الشراكة التنموية.

عام 2015، كانت وزيرة النقل “لينا شبيب” قد أعلنت عن نية ( مجرد نية) الحكومة آنذاك إنشاء سكة حديد وطنية تربط الشمال بالجنوب والشرق بالغرب على طول وعرض مساحة البلاد بل وحددت الوزيرة حينها قيمة المشروع بتكلفة تقارب الثلاثة مليارات دولار إلا قليلا موضحة ان طول الشبكة سيكون 942 كم، وستربط الأردن بالسعودية جنوبا والعراق شرقا منوهة أن الشبكة لن تكون خط الحديد الحجازي.

لا أشكك بأن الوزيرة كانت جادة وهي تعلن عن نية الحكومة لكن نية الدولة الأردنية توقفت منذ ذلك الوقت، وهو وقت طويل جرت فيه مياه كثيرة من تحتنا وحولنا لنكتشف أننا تأخرنا كثيرا وما نزال نتأخر في المشاريع الحقيقية التي تضمن لنا وجودا حيويا ووظيفيا في إقليم يتشارك بالمشاريع ضمن حصص وظيفية متكاملة.

في أول الصيف الماضي، أثار وزير النقل الحالي وجيه العزايزة الموضوع من جديد، بتصريحات – مجرد تصريحات لا أكثر- (.. إن الوزارة أعدت الدراسات والمخططات اللازمة لمشروع الشبكة الوطنية لسكك الحديد الأردنية التي تعد من ركائز الاستراتيجية الوطنية للنقل؛ لربط موانئ العقبة بمناطق الاستهلاك والتوزيع في ميناء الماضونة البري مرورا بميناء معان البري) وهذه التصريحات أطلقها الوزير في مؤتمر لمجموعة سكك الحديد الشرق أوسطية نظمه الاتحاد الدولي للسكك الحديدية، وصرح بعدها مدير عام مؤسسة الخط الحديدي الحجازي الأردني أن مؤسسته تلقت عروضا عدة لتنفيذ المشروع بتكلفة تقديرية تتراوح بين 3 إلى 4 مليارات دينار، لافتا النظر إلى أن المؤتمر سيسهم في جذب مستثمرين لتنفيذ المشروع.

وأضاف مدير المؤسسة (التي علمت مؤخرا انها تدير وقفا إسلاميا عثمانيا غير قابل للتصرف) أنه تم استملاك جميع الأراضي لتنفيذ سكة الحديد الوطنية من العقبة إلى الماضونة، لنقل البضائع بالدرجة الأولى وقد يصبح مستقبلا لنقل الركاب حسب الحاجة.

بالمناسبة، في أثناء بحثي عن معلومات إضافية في الموضوع السككي، أجد خبرا ان إيران أنجزت خط سكة حديد أيضا يربطها بالعراق قابل للتمدد ليربطها مستقبلا بموانئ سورية على المتوسط!

نحن هنا أمام مشروع تنموي هائل ومدهش في عوائده لا الربحية فقط، ولا في أهميته اللوجستية في نقل البضائع والركاب بل في قدرة السكك الحديدية دوما على تنمية الحواضر المدنية على طول امتدادها وهو ما يحتاجه الأردن الذي يعاني انقطاعا “صحراويا” بين المركز في العاصمة المكتظة وباقي المدن في أطرافه المهملة تنمويا.

هذا مشروع لبنية تحتية إصلاحية تساهم في حلول ازماتنا الاقتصادية والسكانية والحضرية وربما تضع أساسا لخريطة طريق جديدة نعرف فيها – على الأقل- موقعنا في الإقليم والعالم، والقطارات ما تزال منذ اختراعها صلة وصل “حضرية” ومن المهم ألا نكون في الأردن راكبها الأخير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى