عربي ودولي

تفاؤل حذر بصندوق “الخسائر والأضرار” في كوب27 خطوة على طريق طويل

أخبار حياة – “الطريق لا يزال طويلاً”، هكذا علق عدد من المسؤولين والخبراء على توصل الدول التي شاركت في مؤتمر الأمم المتحدة الإطاري للمناخ (COP27) بمدينة شرم الشيخ في مصر، وانتهى، الأحد، إلى اتفاق على تأسيس صندوق لتعويضات “الخسائر والأضرار” كجزء من خطة يُطلق عليها “الخطة التنفيذية لمؤتمر شرم الشيخ”.

وتتمثل مخاوف الخبراء في تأخر المناقشات المتعلقة بتحويل الصندوق إلى أمر واقع، أو لا يتم ضخ الأموال في الصندوق وبالتالي يصبح غير ذي جدوى، أو يتم وضع شروط صعبة لاستفادة الدول المتضررة.

واستغرقت المفاوضات بشأن الصندوق أسبوعين كاملين، وهي المرة الأولى التي تدرج فيها قضية “الخسائر والأضرار” بشكل رسمي على جدول أعمال مؤتمر المناخ، على الرغم من محاولات الدول النامية إدراجها خلال مؤتمرات المناخ السابقة طوال نحو 25 عاماً، بحسب مدير الحملات في منظمة “جرينبيس” في المنطقة العربية، أحمد الدروبي.

وتهدف الاتفاقية والتعهدات المقدمة بشأن “الخسائر والأضرار” إلى إطلاق طموحات أكبر للتخفيف والتكيف، إذ تم تقديم تعهدات من دول عدة بينها النمسا وبلجيكا وكندا وفرنسا وألمانيا ونيوزيلندا والدنمارك واسكتلندا، بتمويل الدول التي لحقتها خسائر وأضرار جراء تغير المناخ.

وشكلت مجموعة من 134 دولة من إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية ودول جزرية صغيرة، بقيادة باكستان التي تكبدت أضراراً واسعة جراء الفيضانات، جبهة موحدة للضغط لإطلاق الصندوق المثير للجدل.
خيبة أمل أوروبية
الاتحاد الأوروبي أعرب عن خيبة أمله، وقال نائب رئيسة المفوضية الأوروبية، فرانس تيمرمانز، في الجلسة الختامية للمؤتمر: “ما لدينا ليس كافياً كخطوة للأمام، ولا يأتي بجهود إضافية من كبار الملوثين لزيادة خفض انبعاثاتهم وتسريعه”، وانتقد التزامات بعض الدول تجاه جهود خفض الارتفاع في درجة حرارة الكوكب، وفقاً لوكالة “رويترز”.

وأضاف: “خاب أملنا لعدم تحقيق ذلك، هذا هو العقد الحاسم، لكن ما هو أمامنا اليوم (الاتفاق) ليس خطوة كافية للأمام بالنسبة للناس وللكوكب”.

واعتبر أن الاتفاق لا يحقق جهوداً إضافية في ما يتعلق بكبار منتجي الانبعاثات، و”لا يسرع من خفض انبعاثات الغازات الدفيئة”.

وبالمثل دعا رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك إلى “بذل المزيد”.

واقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأحد، عقد قمة في باريس، العام المقبل، وكتب على “تويتر” قائلاً: “نحتاج إلى اتفاق مالي جديد مع الدول الأكثر ضعفاً. سأعمل على ذلك مع شركائنا بهدف (عقد) قمة في باريس قبل (مؤتمر) كوب المقبل” المقرر في دبي نهاية 2023.

وبحسب مجموعة خبراء “لا يزال الطريق طويلاً” للوصول إلى مجموعة من الآليات لتحويل الاتفاق إلى واقع على الأرض.

صندوق فارغ
أحمد الدروبي وصف الاتفاق المبدئي على تأسيس الصندوق بأنه “جاء غامضاً ولا تزال معالمه غير واضحة”، وسيتم مناقشة التفاصيل بشكل أوسع في مؤتمر المناخ القادم الذي يُعقد في الإمارات في نوفمبر 2023″.

وأعرب لـ”الشرق” عن مخاوفه من أن يكون “قرار تأسيس الصندوق مجرد انتصار إجرائي يجعل الصندوق فارغاً على الدوام، وحجم الأموال التي سيجمعها في المستقبل هي التي ستحدد نجاح الاتفاق، خاصة أن “تكلفة الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ تتراوح بين 280 و520 مليار دولار سنوياً”، لكنه اعتبر أن “مجرد الحديث عن تعويضات الخسائر والأضرار بشكل رسمي أمراً تاريخياً يستحق الاحتفاء”.

وأضاف: “الآن نستطيع القول إن دول الشمال تُقر بمسؤوليتها التاريخية تجاه التسبب في تغير المناخ، ويرجع ذلك إلى المجهود الكبير الذي بذلته دول الجنوب ومجموعة 77 والصين والدول الجزرية للضغط من أجل إقرار التعويضات”.

غياب معايير التمويل
الأستاذ الفخري لعلوم الأرض بكلية سينتراليا في واشنطن، باتريك برينجل، قال إن القرار بتأسيس الصندوق “لن يصلح على الفور الآثار المدمرة للتغير المناخي”، واصفاً القرار بأنه “يفتقد المعايير التي على أساسها ستدفع التعويضات، إذ لم يُحدد القرار من أين ستأتي الأموال وإلى أين ستذهب”.

واعتبر برينجل لـ”الشرق” أن المكسب الحقيقي من المؤتمر هو إعادة الثقة بالبلدان الكبرى التي لطالما عرقلت من قبل محاولات نقاش بشأن تخصيص تمويل للخسائر والأضرار”. فالآن “يبدو أن تلك الدول قطعت خطوة صغيرة على الطريق الصحيح الذي لا يزال طويلاً للغاية في تحقيق العدالة المناخية المستحقة للدول النامية والفقيرة”.

تمويل دون شروط
عضو الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في الأمم المتحدة إلهام علي قالت لـ”الشرق” إن نجاح تأسيس الصندوق “مرهون تماماً باللوائح التنفيذية له”، مشددة على ضرورة أن يكون تمويل الخسائر والأضرار دون شرط أو قيد، وأن تضع كل دولة تكبدت خسائر خطتها الخاصة دون تدخل الدول المانحة”.

في المقابل، قال الأمين التنفيذي لتغير المناخ في الأمم المتحدة سيمون ستيل، في بيان تلقت “الشرق” نسخة منه، إن “هذه النتيجة تدفعنا إلى الأمام، فقد حددنا طريقاً للمضيّ قدماً في محادثة استمرت عقوداً بشأن تمويل الخسائر والأضرار ومناقشة كيفية معالجة الآثار على المجتمعات التي دمرت حياتها وسبل عيشها بسبب أسوأ آثار تغير المناخ”.

لجنة انتقالية
وانتهى المؤتمر إلى قرار بتشكيل “لجنة انتقالية” لتقديم توصيات بشأن كيفية تفعيل قرار تأسيس الصندوق، وترتيبات التمويل، ومن المتوقع عقد الاجتماع الأول للجنة قبل نهاية مارس 2023.

واتفقت الأطراف على الترتيبات المؤسسية لتفعيل “شبكة سانتياجو” للخسائر والأضرار، لتحفيز المساعدة التقنية للبلدان النامية المعرضة بشكل خاص للآثار الضارة لتغير المناخ.

وانتهى المؤتمر أيضاً إلى الاتفاق على تجديد التزام جميع الدول بالحفاظ على هدف الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية، وهو الاتفاق الذي يأتي على الرغم من التحديات الاقتصادية والجيوسياسية الكبيرة في مؤتمر العام الماضي، واتفقت الحكومات على المضيّ قدماً في الهدف العالمي الخاص بالتكيف.

وشهد المؤتمر تقديم تعهدات بتمويلات جديدة بلغ مجموعها أكثر من 230 مليون دولار لصندوق التكيف، ما يساعد العديد من المجتمعات الضعيفة على التكيف مع تغير المناخ، لكن باتريك برينجل وصف التوصيات المتعلقة بالتكيف بأنها “ضعيفة مقارنة بالطموحات المناخية”.

ويسلط الاتفاق الضوء على أن التحول العالمي إلى اقتصاد منخفض الكربون من المتوقع أن يتطلب استثمارات تتراوح بين 4 و6 تريليونات دولار سنوياً.

لكن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش أعرب عن أسفه لكون “المؤتمر فشل في وضع خطة لخفض الانبعاثات بشكل جذري”.

وقال: “كوكبنا لا يزال في قسم الطوارئ. نحتاج إلى خفض جذري للانبعاثات الآن وهذه مسألة لم يعالجها مؤتمر المناخ هذا”.

أزمة الطاقة القديمة
وشهد المؤتمر كذلك إطلاق برنامج عمل جديد مدته 5 سنوات لتعزيز حلول تكنولوجيا المناخ في البلدان النامية، وإطلاق برنامج عمل جديد لتخفيف الانبعاثات بهدف التعجيل بتوسيع نطاق طموح التخفيف وتنفيذها، على أن يبدأ برنامج العمل فوراً بعد المؤتمر ويستمر حتى عام 2030، مع عقد حوارين عالميين على الأقل كل عام.

واتفقت الحكومات على إعادة النظر في أهداف عام 2030 وتعزيزها في خططها المناخية الوطنية بحلول نهاية عام 2023، بالإضافة إلى تسريع الجهود للإلغاء التدريجي للفحم دون هوادة والتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، ونص الاتفاق على أن أزمة الطاقة العالمية غير المسبوقة تؤكد الحاجة الملحة إلى تحويل أنظمة الطاقة بسرعة لتصبح أكثر أماناً وموثوقية ومرونة، من خلال تسريع التحولات النظيفة والعادلة إلى الطاقة المتجددة خلال هذا العقد، لكن برينجل اعتبر أن أزمة الطاقة والغزو الروسي لأوكرانيا ساهمت في ضعف التوصيات وتعطيل السعي وراء التخفيف.
ورأى برينجل أن “عمليات التحول للاقتصاد منخفض الكربون تعني تعطيل الاستثمارات الجديدة في الوقود الأحفوري مع تبني مسارات تنمية بديلة وتوسيع الأنشطة الاقتصادية الأخرى، وهو أمر يصعب للغاية في ظل تلك الظروف”.
واتفق الدروبي مع برينجل، مشيراً إلى أن جهود التخفيف “يجب أن تبدأ أولاً من دول الشمال المسؤولة عن الانبعاثات التاريخية التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه الآن”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى