مقالات

جدعون ليفي.. «يتمنى النجاح».. لـ«محكمة العدل الدولية»؟

محمد خرّوب

أما جدعون ليفي لمن لا يعرفه, فهو الصحافي الشجاع والأكثر اعتدالاً في جوقة الإعلام الصهيونية، التي تقود الآن – بل قبل ذلك بكثير – حملة التحريض على الشعب الفلسطيني وشيطنة فصائل المقاومة الفلسطينية. يتساوى عند أحفاد إرهابيي منظمات الإرهاب الصهيونية, التي ولغت كثيراً وطويلاً في دماء الفلسطينيين قبل النكبة.. حركة فتح أم المنظمات، على داخل الأراضي المُحتلة وخارجها, وصولاً إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي. على نحو لم يتوقف هؤلاء المتطرفين/الإعلاميين عن الدعوة إلى مواصلة الحرب على فلسطينيي قطاع غزَّة كما الضفة الغربية, والتماهي مع خطاب نتنياهو العنصري الاستعماري, لإجتثاث «الارهاب» الفلسطيني والتخلص من الفلسطينيين أنفسهم تهجيراً قسرياُ أم طوعياً, وإعلان قيام «إسرائيل الكبرى»، ليس فقط على كامل فلسطين التاريخية, بل تلك الخريطة التي عرَضها مجرم الحرب/نتنياهو أمام الجمعية العامة للأٌمم المتحدة في شهر أيلول الماضي. ولا يحتاج المرء إلى كثير عناء لاكتشاف حَمَلَة القلم وصنَّاع الرأي العام الصهيوني، سوى الإطلاع على ما يكتبون في صحفهم اليومية الرئيسية الأربع/ يديعوت احرونوت، معاريف، إسرائيل اليوم وهآرتس.

نقول: جدعون ليفي صحافي إسرائيلي محسوب على اليسار الصهيوني, يُكرس «قلمه» واهتماماته على ارتكابات ومقارفات جيش الاحتلال, وثمَّة في دولة العدو مَن يتقبل آراءه ويثني عليها, فيما هناك مَن ينتقده ولا يتردَّد في شيطنته وصولاً إلى تهديده وتوجيه الشتائم والإهانات له, على نحو يقول بعضهم إنه «ناشِر الدعاية» لحركة حماس الفلسطينية.

وهو/ ليفي كرّس معظم مقالاته منذ السابع من أكتوبر الماضي (عملية طوفان الأقصى) للإضاءة بل وانتقاد فظائع جيش الاحتلال, قبل وبعد أن شرَعتْ حكومة الحرب في عمليتها البرية ضد القطاع الفلسطيني.

مقالته أول أمس/الأحد التي جاءت تحت عنوان «بالتوفيق إلى المحكمة العدلية في لاهاي»، حفِلت بكثير من الاشارات والاضاءات التي عكست من بين أمور أخرى, مواقفه الرافضة لممارسات الاحتلال وارتكاباته. مُعتبرِاً أنَّ «الأمر الأكثر إقلاقاً مما يحدث في محكمة العدل الدولية»، وما يُمكن أن يصدر عنها هو «الروحية» التي يتم فيها استقبال الاتهامات المُوجهة لإسرائيل من قِبل الجمهور الإسرائيلي، الأمر – أضاف ليفي – الذي يشير إلى أن روح العام 1948… لم تَمُت».

بدأ جدعون ليفي مقالته بالإشارة إلى شريحة داخل دولة العدو مِمَّن «يرون الإستمرارية غير المُجدية للحرب», ومَن يرون أبعاد القتل والتدمير في غزة، ومَن يريدون انهاء المعاناة غير الانسانية لأكثر من مليوني شخص، يجب عليهم – يُضيف ليفي – الأمل، على الأقل في أعماقهم، بأن تُصدِر محكمة العدل الدولية، يوم الخميس المقبل، أمراً مؤقتاً، إعلان لوقف الحرب، لافتاً في الآن نفسه إلى أنه «مِن غير السهل على الإسرائيلي أن يأمل بإصدار أمر ضد دولته، الذي يمكن أيضاً – تابعَ – أن يُؤدي إلى اتخاذ خطوات عقابية ضدها، ولكن – استطردَ الكاتب مُتسائِلاً – ألا توجد أي طريقة أُخرى لوقف الحرب؟.

لم يتوقف ليفي عند سؤاله اللافت هذا, مُستبطناً الغمز من قناة حكومة الحرب التي يقودها فاشيون من أمثال: نتنياهو وغانتس وغالانت وهليفي، بل ذهب إلى إمتداح الدولة التي رفعت دعوى الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل، وهي دولة جنوب إفريقيا, قائلِاً: من غير السهل معرفة أن دولتك قُدِّمت دعوى ضدها من قبل دولة تَعرِف أمراً أو أمرين عن الظلم والشرّ، التي – واصلَ – زعيمها المؤسس كان شخصية تمثل نموذجاً أخلاقياً لكل العالم، من غير السهل – أضافَ – الإدعاء عليك على يد جنوب افريقيا، غير سهل أن تكون مُتهماً بـ«إبادة شعب»، التي تم ارتكابها كما يبدو على يد دولة أُقيمت على «إبادة شعبٍ»، الأكبر في التاريخ.

لافتاً – ليفي – إلى أنه لا يُمكن تجاهُل أنه، فوق رأس إسرائيل, تُحلّق الآن اشتباهات بإرتكاب جرائم خطيرة جداً ضد الإنسانية والقانون الدولي، الآن – استطردَ- لم يعودوا يتحدثون عن الاحتلال، بل عن الفصل العنصري والتهجير والتطهير العِرقي وإبادة شعب. ماذا يوجد أخطر من ذلك؟. تساءل ليفي مُضيفاً – يبدو أنه لا تُوجد الآن أي دولة مُتهمة بكل هذه الاتهامات.. هذه الاتهامات لا يمكن دحضها بأي شيء ولا حتى بـ«اللاسامية», وحتى لو أن بعضها كان مُبالغ فيه أو بدون أي أساس من الصحة، فإن اللامبالاة التي تُستقبَل بها هذه الاتهامات هنا، مع إلقاء اللوم الأبدي على مَنْ يقوم بالاتهام، هو الطريق الجيدة للإنكار والقمع.. لكنه – يختم ليفي – ليس الطريقة المُناسِبة لتطهير اسم إسرائيل وبالتأكيد ليس تعافيها واصلاحها.

مشيراً إلى أنه «الآن هناك وزراء يدعون أيضاً لإنهاء العمل في القطاع، الأسلوب المريض للانشغال بمسألة «اليوم التالي”, التي أساسها أن إسرائيل هي التي ستُقرّر ماذا سيكون في غزة؟ ومَنْ سيكون في غزة؟ يَظهَر – يلفت ليفي – أن روح العام 1948 حيَّة. هذا ما فعلته إسرائيل في حينه وهذا تُريد فعله مرة.. داعياً محكمة العدل أن «تُقرِّر إذا كان هذا كافٍ لإدانتها بـ«إبادة شعب أو بجرائم حرب أخرى», مُستخِلصاً/ليفي.. «من ناحية الضمير.. الإجابة قُدِّمَتْ».

كلام كهذا يُقال في الدولة الصهيونية الاستعمارية, فيما تبقى دولة جنوب افريقيا «وحيدة» في محكمة العدل الدولية, وسط صمت دولي وإقليمي مُريب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى