مقالات

داعشيون بربطات عنق في تل أبيب

مالك العثامنة
في التاسع من شهر آذار عام 1997، كان علي باشا شكري بصفته مدير الاتصالات الخاصة للملك الراحل الحسين يحمل رسالة سرية وغير مسبوقة من الحسين رحمه الله إلى رئيس الوزراء الإسرئيلي “آنذاك” بنيامين نتنياهو.
الرسالة غير مسبوقة لأنها كانت شديدة القسوة في محتواها وصياغتها ومليئة بالتقريع والتأنيب الشديدين من ملك لم يعرف عنه إلا الدبلوماسية الشديدة والتهذيب البالغ والإيمان الحقيقي بالسلام، ووصوله إلى هذا الحد من الغضب في كتابة رسالة توبيخ تعكس واقع شخصية نتنياهو نفسه، وهي الشخصية التي تلقي بظلالها الثقيلة على موقعه كرئيس للوزراء.
تلك العلاقة المأزومة بين نتيناهو “الذي تحول إلى تيار يميني فاشي كريه” والأردن، بقيت كما هي حتى اليوم، ولم يكن هناك أي لحظة تفاهم يمكن البناء عليها منذ ذلك الحين.
فمن حق الأردن أن يقلق! كما من حق الفلسطينيين ان يقلقوا، وعلى الإسرائيليين “وقد اختار مزاجهم الانتخابي بأغلبيته تلك الفاشية” ان يقلقوا كثيرا من الانفجارات القادمة وعليهم أن يتحملوا مسؤولية هذا الانتقال الحاسم نحو اليمين الفاشي الديني بكل ما سيحمله من تبعات مأساوية.
إن الأمر يشبه كثيرا كما لو أن داعش ومشتقاتها خاضت انتخابات ما في أي دولة عربية ونجح “أميرها” في استلام السلطة، لا يختلف الأمر كثيرا إلا في ربطات العنق والبذلات الأنيقة والكلام المداهن.
إن وجود شخصية أصولية متطرفة مثل بن غفير نفسه تثبت وحدها ذلك، فنحن امام مشروع سياسي استبدادي إقصائي حتى في مواجهة الديمقراطية الإسرائيلية نفسها، فبن غفير هو حاصل جمع كل أطياف تيار القومية الدينية المتشددة ، ومرشح ليكون سيد السياسة الأمنية في إسرائيل وقد وصف الديمقراطية بأنها زائفة في إسرائيل، وأعلن عنصريته الفاشية ضد الفلسطينيين بلا مواربة، وهي عنصرية تحمل كراهية مساوية لكراهيته نحو اليسار الإسرائيلي، ولم يخف في كثير من تصريحاته ازدراءه للحريات العامة واحتقاره للإعلام الإسرائيلي، كما انتقد كثيرا القضاء الإسرائيلي في أحكام لم تكن لصالح رؤيته المتطرفة.
هذا شريك نتنياهو الذي يبتسم منتصرا لا لفوزه السياسي بقدر ما هو انتصاره الشخصي بالحيلة القانونية والحصانة على تجريمه في قضايا فساد مثبتة عليه.
هذه الفاشية الجديدة غرب النهر، لن يكون من أولوياتها الاستمرار بإنعاش السلطة البائسة في رام الله من السقوط الوشيك عبر التدخل الأمني أو دعمها ماليا، بل ستتركها تسقط في الفراغ الذي ستملؤه فوضى العنف.
هذا الإقصاء المتطرف سيقوض رؤية الشرق الأوسط التكاملية الجديدة، وهو ما سيغذي بحكم الفعل وردة فعله حضور ونمو التطرف في الجهة المقابلة، وهو تطرف دموي لا يريده أحد أيضا، وحصاد كل ذلك مزيد من الضحايا والدم والتخلف.
المتضررون جميعا يمكن حصرهم ” بدائرة واسعة وكبيرة” خارج منظومة تيار نتنياهو والفاشية المتطرفة الجديدة التي تمثل حكومة إسرائيل اليوم، وهؤلاء المتضررون جميعا على كل الاختلافات والتباينات بينهم في داخل إسرائيل والأراضي الفلسطينية (عربا ويهودا) وفي الإقليم كله، قد يشكلون نواة صلبة في حال التفاهم المنهجي لتشكيل جبهة “إقليمية ودولية” مضادة تسقط الفاشية الجديدة ووجودها كله وإلا فإن الانفجار القادم لن يرحم أحدا بالمطلق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى