مقالات

إصلاح منظومة الأبجد هوز

مالك عثامنة
بعيدا عن كل أطنان الحديث والجدل عن الإصلاح السياسي او الإداري أو الاقتصادي، فهناك إصلاح واجب الاستحقاق ويعتبر المتطلب الإجباري لأي عملية إصلاح على أي مستوى في الدولة الأردنية وهو الإصلاح التعليمي.
سنبقى في حلقة مفرغة من متاهات الإصلاح بدون إصلاح التعليم الذي وصل إلى مستوى رديء لا يبشر بخير، والحديث هنا عن قطاع التعليم العام في مدارس الحكومة والتي تضم السواد الأعظم من الأردنيين، ومن المفترض أنها تنتج الأغلبية العظمى من المواطنين في كل مراحل الدولة القادمة لعقود آجلة.
من يلمس أطراف الحظ الجيد في الأردن هو من يقدر ان يوفر رسوم وأقساط مدرسة خاصة لأبنائه وكابوسه الدائم ألا يتعثر فيضطر لإخراجهم من نعيم “الخاص المكلف” إلى “العام الرديء”، وآسف إن كان ما أقوله قاسيا على وزارة التربية والتعليم التي أكاد أجزم ان كبار موظفيها أنفسهم قاموا بتسجيل أبنائهم في مدارس خاصة وهم الأعلم بواقع قطاع التعليم الرسمي في الأردن، وشخصيا لو قررت يوما ما العودة من مهجري البلجيكي إلى الأردن، لترددت كثيرا أمام معضلة دفع كلف عالية لمدرسة ابتدائية مناسبة لابنتي مقابل ما تتلقاه في مدرسة بلجيكية وبالمجان، مستوى جودة التعليم فيها يضاهي جودة المدارس الخاصة الأردنية.
طيب، ما الحل؟
أولا، لدينا الموارد البشرية والعقول المعرفية المؤهلة القادرة على وضع برنامج “حكومي” استراتيجي طويل الأمد لإعادة تأهيل قطاع التعليم، او بالأحرى إعادة بنائه بالكامل على أسس عصرية وحديثة.
وثانيا، لدينا موازنة فيها سوء توزيع هائل، يمكن ضبطها وتجييشها في مصلحة قطاع التعليم لبناء منظومة تعليمية تحول أكبر ماكينة إنتاج بطالة في الدولة إلى خط إنتاج معرفي حقيقي يستثمر في الإنسان الواعي والمؤهل.
ثالثا، هناك تجربة “فنية وتقنية ومهنية تماما” وهي تجربة أكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين، وقد أدخلناها في جدلنا السياسي ذات أزمة، وخرجت الأكاديمية من الجدل كله وبقيت تقدم نجاحاتها وتصدر معرفتها لدول الجوار التي أدركت أن دخولها للعالم الجديد لا يكون بدون رخصة معرفية تعليمية يؤسس لها في منظومة تعليم عصرية ترفع من قيمة المعلم والصف المدرسي كنواة التغيير الأولى في الدولة.
أتابع نشاطات الأكاديمية عن بعد، ومؤخرا كان نشاطها الأخير “ذو الصبغة الدولية” من خلال منتدى الأكاديمية لهذا العام وعنوانه اللافت (تطوير مدارس اليوم: بناء مستقبل أفضل).
وهو عنوان جاذب وساحر وبعيد عن الواقع ما لم تتوفر إرادة سياسية جامعة في الدولة الأردنية لتحقيقه، فمدارس اليوم تحتاج إلى إعادة بناء لا في مبانيها المتهالكة وحسب، بل في روح الغرف الصفية فيها، وفي مناهجها التعليمية التي لا تزال خاضعة لجدلية “الغيبيات والدجل والإنشائيات” ومعلمها الذي بالكاد يجد قوت يومه وقد فقد معظمهم “ولا نلومهم” الإيمان بدورهم الحيوي والأكثر حيوية من دور معظم السياسيين في الأردن.
بناء مستقبل أفضل؟ نعم صحيح، وهذا لا يكون بدون منظومة تعليم صحية وسليمة وكاملة العافية وإلا فإن المستقبل سيكون نسخة كربونية ممسوخة عن الحاضر الراهن، وربما أكثر سوءا بفعل تراكم الجهل.
أمام الحديث “العبثي” والموسمي حول التعديل الحكومي او حتى تشكيل حكومات جديدة، لا نجد إلا ان نظل ننادي بضرورة فصل “الإصلاح التعليمي” الضروري والمستحق بقوة، عن باقي جدلياتنا السياسية ووضع خطة “دولة” تضع هذا المسار بما هو أكبر من حقيبة وزارية “نطاطة” إلى استراتيجية شاملة يكون وزيرها “وفريق وزارته” مكلفون بإنجازه كاملا، للخروج من عنق الزجاجة نحو فوهتها لا نحو القاع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى