مقالات

التراث الأردني

د.فيصل غرايبة

يشكل التراث خلاصة ما خلَفته أو ورثته الأجيال السالفة للأجيال الحالية، لكي يكون عبرةً من الماضي، ونهجاً يستقي منه الأبناء، ليَعبُروا بها من الحاضر إلى المستقبل. وهو من الوجهة الحضارية كالجذور للشجرة، فكلما تعمقت وتفرعت تلك الجذور، كانت الشجرة أقوى وأقدر في مواجهة تقلبات الزمان، والتراث أيضا هو علم الثقافة التقليدية الذي ينظر اليها من زوايا تاريخية وجغرافية واجتماعية ونفسية، عندما يمثل عادات الناس وتقاليدهم، ويقرأ آراءهم وأفكارهم ويلمس مشاعرهم، التي تتضمنها الأشعار والقصائد والقصص والأساطير وتعبر عنها الحرف واللعب، وأساليب اللهو، واداء الأغاني وسرد الأمثال وفك الألغاز والأحاجي، وبرامج الاحتفالات والاحتفاء بالأعياد الدينية وتبادل المعايدات أثناءها. فهي الناتج الثقافي للأمة، الذي يستخدم في إعادة بناء الفترات التاريخية الغابرة للأمم والشعوب، ويفيد في إبراز الهوية الوطنية والهوية القومية على حد سواء، وهي أصيلة ومتجذرة في قلب المجتمع، إلا أن فروعها تتطور وتتوسع مع مرور الزمن وبنسب مختلفة، وذلك بفعل التراكم الثقافي والحضاري، وتبادل التأثر والتأثير مع الثقافات والحضارات الأخرى، وبفعل عناصر التغيير والحراك في الظروف الذاتية والاجتماعية لهذا المجتمع أو ذاك.

يتنوع التراث باختلاف ما تحمله الجذور إلى الشجرة، فثمة جريان لسلوكيات خاصة في عروق كل أمة، كتراث سلوكي، إلى جانب ما خلفه الأجداد من آثار مصانة كالحصون والقصور وأماكن العبادة كالمساجد والكنائس، المسجد الأقصى والمسجد الابراهيمي وكنيستي المهد والقيامة في اكناف بيت القدس، وغيرها مما يشهد على أمجاد الأمة. فلا حضارة بدون تراث، اذ يجب أن تكون الحضارة أصيلة مستقلة ذات جذور عميقة. وحفظًا لهذا التراكم الحضاري من الضياع؛ يهتم المعنيون بتوثيقِه، ليكسب الإنسان قدرًا من هويّته، وحتى لا يؤدي اندثار هذا التراث إلى غياب ملامح هذه الهويّة، أو ضياعها، لذا لا بدَّ أنْ يأتي توثيق التراث دقيقًا، ويرصد التفاصيل بدقة، وتجدر الاشارة هنا الى جهود وزارة الثقافة الأردنية في مجالَي التراث المادِّي وغير المادِّي، الذي يبعث اشتغالها بالتراث الشعبي على الاطمئنان، سواء في إصدار الموسوعات، أو في إنشاء منبر إلكتروني خاص بهذا التراث.

ولا تغيب عن الذاكرة جهود «روكس بن زائد العزيزي» أحد روّاد البحث في التراث الأردني، ولا بد أن نشير الى كتابات «عبدالله العساف» في قيمة وأهميّة التاريخ الشفوي، و”نايف النوايسة» عن «المكنز الوطني للتراث الأردني» وعن «الزيّ الشعبي الأردني.. تاريخ حضاري ورمز وهويّة» الذي اهتم به «حسين نشوان»، و”الموسم الزِّراعي في التراث الأردني» لـِ”عايد أبوفردة»، و”مراسم الأفراح من الزَّمن الجميل» لـِ”فضية المقابلة»، والوسم عند أهل البادية الذي كتب عنه «عارف عواد الهلال».. وكتاب «طه الهباهبه”: «ألوان من التراث الشعبي في الأردن».

يتمنى المتابع الأردني خاصة والعربي عامة أن تتواصل الجهود وتتابع في توثيق التراث العربي والأردني وتحليله، ووضعه امام الجيل الجديد، للأطلاع عليه والاستفادة منه والبناء عليه، برعاية وزارة الثقافة وبالتعاون مع مختلف المؤسسات والوسائل والاجهزة الثقافية والاعلامية والتوجيهية جميعها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى