مقالات

ملامح أولى لشرق المتوسط الجديد

مالك العثامنة

ما الذي يمكن تعلمه من اتفاق التفاهم السعودي – الإيراني؟

أولا: الصين “وهي هنا كفيل الوفا والدفا” لم تعد لاعبا “اقتصاديا” وحسب، تتموضع الصين سياسيا وأمنيا ضمن منهجية ملء فراغ محترفة. شرق المتوسط انسحبت منه واشنطن والصين لديها مشروع سياسي اقتصادي ضخم مبني على طريق الحرير التاريخي (مشروع الحزام والطريق)، سيصل إلى أوروبا، وفي الطريق لا بد من تسوية الطرق وتعبيدها.

ثانيا: الصين والحال كذلك، قطب دولي كبير وتمارس ذلك في سياستها وتعرف أنها تملك أوراق ضغط على إيران ما يكفي لضمان الالتزام، وضمان الأمن في طرق التجارة الدولية.

ثالثا: المملكة العربية السعودية “الجديدة” فعلا، وتعرف الدولة السعودية ما تريده بالضبط، والسياسة في الرياض مبنية على فرق عمل محترفة بامتياز لا على أمزجة شخصية، ومنهجية تصفير المشاكل تجري بدون انعطافات غير محسوبة.

رابعا: غالبا فإن قوى التشدد في طهران قد ترى في الاتفاق “عبورا مرحليا” لمتلازمة أزمات داخلية وخارجية، لكنه في النهاية جسر نحو ضفة أخرى قد يجعل تيار الإصلاح الإيراني “المقموع حاليا” أعلى صوتا بكثير في قادم الأيام.

خامسا: هذا الاتفاق في حال التزام إيران فيه، سيكون له أثره على مناطق النزاع في المنطقة، خصوصا في اليمن حيث أول اختبارات النوايا في طهران، وفي لبنان التي قد يكسر الاتفاق فيها ذلك الجمود السياسي وتسريع التوافق على مرشح رئيس الجمهورية، وسعوديا قد يفتح ذلك السدود أمام دعم مالي ينعش الاقتصاد اللبناني.

سادسا: زاوية الرؤية للاتفاق النووي الإيراني ستكون من المتغيرات التي ينتجها هذا الاتفاق الذي سيخفف دعوات إسرائيل لهجوم على إيران، ويزيد من منسوب الثقة بين إيران والدول الغربية وهذا مرتهن بتقييم الرياض النهائي لالتزام إيران بالتفاهمات.

سابعا: السعودية حسمت “الأزمة” مع الحوثيين وهو انتصار أمني عميق، في حال التزمت طهران بالسيطرة على أذرعها الممتدة في شرق المتوسط وعلى رأسهم الحوثيون.

ثامنا: التلويح بالخطر الإيراني لم يعد ورقة ضغط على الرياض بعد اليوم، مما يجعل السعودية نفسها قادرة على بناء حالة تجسير إقليمية ودولية بين طهران وباقي العالم.

تاسعا: في حال اعتماد التفاهم مع السعودية كإستراتيجية لإيران، فإن الفائدة الاقتصادية من زاوية الاستثمارات السعودية ستكون كبيرة بعد أي رفع للعقوبات عن إيران.

عاشرا: وعطفا على “تاسعا” فقد يكون الاتفاق خطوة أولى لإعادة بناء الثقة مع إيران، وهذا يعتمد على حسن نوايا طهران بالمجمل، والاتفاق فيه تغليب للسياسة الواقعية على تطرف الخطاب الديني وولاية الفقيه.

ومن خارج النقاط وكملاحظة تستحق أن تكون مستقلة فإن الاتفاق مزعج لإسرائيل ممثلة بحكومة نتنياهو وفريقه المتأهب لحرب مع إيران وتطبيع سياسي مع السعودية. وهو ما ينعكس أيضا على “استياء” في واشنطن خصوصا مع “كفالة” الصين كلاعب دولي وقطب رئيس، يملأ فراغ الأميركان في المنطقة بهدوء وعلى أسس ندية، لا بالوصفة الأميركية منتهية الصلاحية.

سيكون هناك إعادة حسابات و”تموضعات” ضرورية في الإقليم والعالم بعد هذا الاتفاق، فالمحور ضد إيران يوشك أن يفقد معناه بدون حضور السعودية كلاعب أساسي فيه، وإشراف الصين ونجاحها الدبلوماسي اختراق للقواعد القديمة التي انتهت ومن الصعب العودة إليها.

على المستوى الأردني، أتساءل: ماذا عنا؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى