مقالات

تركيا لن تنسحِب من سوريا.. ماذا عن نموذج حلب؟؟

محمد خرّوب

يبدو أن المناخات الإيجابية «نسبياً» التي بثها الرئيس التركي قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في تركيا, قد تبدّدت بعدما فاز الرئيس أردوغان (في جولة الإعادة الثالثة) بالمقعد الرئاسي، وأحرز تحالف حزب العدالة والتنمية مع الحركة القومية اليمينية الأغلبية في البرلمان, على نحو تبدو فيه العلاقات التركية – السورية مُرشّحة لمزيد من التأزّم, في ظل التشدّد الذي تبديه أنقرة إزاء المطلب السوري الرئيس, وهو تحديد جدول زمني لانسحاب قوات الاحتلال التركي من الشمال السوري، قبل أي لقاءات على المستوى الرئاسي.

انطباعات مُتشائمة عكستها تصريحات مُتشنِّجة أدلى بها وزير الدفاع التركي «الجديد» الجنرال يشار غولر لصحيفة «صباح» التركية مؤخراً, زعم فيها أن بلاده «تريد السلام» لكن لديها «حساسيات» تتعلّق بأمن حدودها, مُضيفاً في تبريرات مُتهافتة أن «تركيا تريد السلام بصدق لكن لدينا حساسيّاتنا, ومن غير المعقول – أضافَ – أن نُغادر دون ضمان أمن حدودنا وشعبنا».. هنا يعيد الجنرال الاعتبار للمصطلح الاستعماري المعروف بِـ«المجال الحيوي» الذي تبرر به الدول الاستعمارية أو تلك التي تتوفر على ترسانة عسكرية تروم احتلال أو الاعتداء على د?ل مجاورة طامعة في ثرواتها, وربما في موقعها الاستراتيجي.

خاصة أن وجهة النظر هذه يُكرّرها وزير الخارجية الجديد والمُقرّب من أردوغان حقان فيدان، الذي جاء عل رأس الدبلوماسية التركية من رئاسة المخابرات. إذ قال في كلمة له الأسبوع الماضي: إننا سنبذل جميع الجهود لمنع «تحوّل» سوريا إلى ملجأ للمنظمات الإرهابية وساحة للحروب بالوكالة، ولن نترك – أضافَ فيدان – التنظيمات الإرهابية والقِوى التي خلفها يغمض لها جفن في بلادنا».

هنا يصعب تجاهل حقيقة أن تركيا كانت وما تزال ترعى أكثر تلك التنظيمات الإرهابية تطرفاً وخاصة هيئة تحرير الشام/النُصرة سابقا, بما هي الذراع السوري لتنظيم القاعدة ويرأسها الأرهابي «أبو محمد الجولاني»، والتي تسيطر على محافظة إدلب بدعم وتنسيق مع قوات الاحتلال التركي.. الأمر الذي يزيد من الشكوك في الخطوة «التالية» التي تستعد قوات أردوغان القيام بها، خاصة ما يُروّج عن عملية عسكرية واسعة مع قوات الاحتلال الأميركي لِـ”تنظيف مناطق الإدارة الذاتية الكُردية في الحسكة والقامشلي»، وتمكين قوات الحليفيٍن الأطلسيّيْن, من ال?يطرة على مَعبريّ البوكمال السوري والقائم العراقي وإغلاقهما، بذريعة قطع طريق طهران – بيروت (المار ببغداد ودمشق).

وإذا كان الرئيس السوري بشار الأسد قد أعلن في مقابلة مُتلفزة أنه «لن يلتقي الرئيس التركي بناء على شروطه”, الأمر الذي دفع الجنرال غولر إلى إطلاق تصريحاته, حول «حساسية» تركيا إزاء هذا المطلب، بل ذهب الجنرال التركي بعيداً بالخوض في ملف خارج إطار وظيفته, عندما قال: إن «أهم مرحلة من مراحل السلام في سوريا، هي صياغة دستور جديد واعتماده». مُتجاهِلاً عن قصد أن ملفاً كهذا هو من صميم الشؤون الداخلية السورية, ولا علاقة له بتركيا، فان ما يتردّد الآن عن «آلية ثلاثية”, أصدر أردوغان تعليمات بتشكيلها لِـ”تحفيز عودة اللاجئين?السوريين في تركيا إلى بلادهم»، تزيد الشكوك وترفع منسوب المخاوف في النيّات التركية. حيث قالت صحيفة «صباح» التركية/13 آب الجاري, أنه من المقرّر وفق الآلية الثلاثية «إحياء الحياة الاقتصادية والتجارية في شمال سوريا, والسماح لرجال الأعمال – بمن فيهم الأتراك – بافتتاح منشآت ومصانع هناك»، وذلك – تواصِل صباح – لتأمين الشروط لعودة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين لبلادهم، لافتة – الصحيفة– إلى أحد أبرز الجوانب الهامة في خارطة الطريق هذه، وهو وضع مدينة حلب، العاصمة الاقتصادية لسوريا في «قلب» هذه الخطة عبر إحيائها اجت?اعياً وتجارياً.

ثمّة تتمة يتوجّب ايرادها، ربما تعكس المدى الذي تنوي تركيا الذهاب إليه في «خريطة الطريق» هذه. حيث تبدو أنقرة وكأنها تروم «تأبيد» احتلالها للشمال السوري, وفرض أجندتها المعروفة بإدخال تغييرات ديموغرافية/عِرقية عميقة في المناطق السورية المُحاذية لحدودها, هادفة «تطهيرها» من سكانها السوريين/الكُرد. اذ قالت الصحيفة التركية: «إن تركيا تواصل مباحثاتها مع الجانبين الروسي والسوري, لتضم حلب إلى خارطة الطريق، في خطوة – واصلتْ صباح – تهدف إلى خلق فرص عمل لمئات آلاف المهاجرين السوريين في تركيا.

في السطر الأخير، لا تبدو أنقرة وفق ما تقوم به من أعمال ميدانية، داخل المناطق السورية المحتلة وما تتخذه من إجراءات عدوانية عنصرية ضد اللاجئين السوريين داخل تركيا وعبر حدودها، معنية بترطيب علاقاتها مع دمشق, أو إبداء حسن النية إزاء مطالب دمشق (تدعمها في ذلك موسكو وطهران). بوضع خريطة طريق لانسحاب قواتها كمقدمة لتطبيع علاقات البلدين، بدلاً من خريطة طريق تُسمّى «نموذج حلب”, يُراد منها تكريس الاحتلال وخلق منطقة آمنة, طالما حلم أردوغان بإنشائها منذ بدأ أولى غزواته للشمال السوري في عدوان/”درع الفرات» في مثل هذه الأ?ام عام 2016 (24آب), وتبعها عدوان «غصن الزيتون» في 20/1/2018 ثم عدوان «نبع السلام» في 9/10/2019.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى