مقالات

الصمت بقوة الغدر

د.نهلا عبدالقادر المومني

استشهاد المصور الصحفي سامر أبو دقة بتركه ينزف ساعات طوال ومنع المسعفين من الوصول إليه لانقاذه، يذكرنا بأن الغدر في العدوان على قطاع غزة هو سيد المشهد، عمليات حربية لا تستند إلى الشرعية وفي سياق مواز عمليات تتنصل عامدة متعمدة من المبادئ الكبرى التي قام عليها القانون الدولي الإنساني والتي شكلت في الوقت ذاته نظريات قانونية عرفية تأصلت في القواعد الدولية التي تحكم الشعوب.

يتمتع الصحفيون في أوقات النزاع بحماية دولية وفق اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية السكان المدنيين، وتمّ استكمال هذه الحماية وتوسيع نطاقها بموجب البرتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف الأربع لعام 1977 حيث تم التأكيد على أنهم أشخاص مدنيون، يتوجب حمايتهم بمقتضى أحكام اتفاقيات جنيف الأربع والبرتوكول الملحق بهم.
هذه الحماية لم تشكل عائقا أو مانعا أمام إسرائيل؛ فالصحفيون والإعلاميون الفلسطينيون شكلوا هدفا أساسيا خلال العدوان على قطاع غزة لآلة الحرب الإسرائيلية ابتداء من استهدافهم واستهداف مقار مؤسساتهم الصحفية والإعلامية.
القرائن الواقعية تشير إلى أن استهداف الصحفيين لم يكن عبثا أو بطريق الصدفة الحربية التي جعلت القنابل والصواريخ تحصد هذا العدد الكبير منهم، فالاحتلال استهدف بعضهم مباشرة أثناء أداء عملهم واستهدف عالما ومدركا للمقرات والمؤسسات الإعلامية التي تعد بالنتيجة أعيانا مدنية وفق اتفاقيات جنيف. كما استهدف عائلاتهم وأكثر من مرة، وتعمد منع فرق الاسعاف من الوصول إلى بعضهم بعد استهدافهم كما هو الحال في حالة الصحفي سامر أبو دقة.
إنّه الصمت بقوة الغدر هذا الذي تحاول أن تقوم به إسرائيل السلطة القائمة بالاحتلال، محاولة اسكات الحقيقة من خلال خرق المبادئ الكبرى التي قام عليها القانون الدولي الإنسانيّ. إن ما يتوجب الوقوف عنده مليا أنّ خيانة إسرائيل وخروجها عن هذه المبادئ بما في ذلك عدم جواز اللجوء للغدر في الحروب لاشخاص يعتقدون بانهم يتمتعون بالحماية، ينتج في المشهد الأوسع والأكثر خطورة اهتزاز الثقة العالمية بهذه المبادئ والقيم الإنسانية التي شكلت عبر عصور وقرون من حياة البشرية وصولا إلى تقنينها عبر اتفاقيات وعهود دولية أصبحت اليوم تئن تحت وطأة الجرائم الإسرائيلية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى