مقالات

خبراء ولكن

بلال حسن التل

لا تقتصر الآثار السلبية لأزمة الإعلام في الأردن، والتي نتحدث عنها منذ عقود، على العاملين بالإعلام فقط، ولكنها تمتد إلى المجتمع كله، فالضحالة التي يتصف بها بعض الإعلاميين ثقافيا ومعرفيا، تنعكس ضحالة وسطحية بما يقدمونه للناس.

كما أن غياب المهنية عند بعضهم، والاستسهال المسيطر عليهم جعل هؤلاء يستسهلون كل شيء، خاصة في ظل غياب المساءلة، وزاد من ممارسة الاستسهال اعتماد سياسة البث على مدار الساعة في وسائل الإعلام المرئي والمسموع، مما أوقع بعض العاملين في هذه الوسائل تحت سيف الوقت فتراجع الإعداد الجيد، كما تراجعت د?ة الاختيار، وحلت محلهما الثرثرة، التي زاد من آثارها السلبية، ان وسائل الإعلام ولإضافة نوع من المصداقية على هذه الثرثرة، صارت تطلق على من تستضيفهم لممارسة هذه الثرثرة، صفاتا والقابا ليس لها سند عند الكثيرين من الذين تطلق عليهم هذه الصفات والألقاب، ومنها صفة خبير وخبير استراتيجي، ومحلل ومحلل استراتيجي، وقد صار بعض هؤلاء ضيوف شبه دائمين على هذه القناة أو تلك القناة من القنوات المرئية والمسموعة، والغريب أن هؤلاء يتحدثون بكل شيء في السياسة والاقتصاد والتعليم والاجتماع، وبكل ما يطلب إليهم أن يتحدثوا به، فقد صار الأمر استسهالا وإدمانا، ولا يحتاج جهدا أو إعدادا، لا من معد البرنامج أو رئيس تحرير الأخبار، ولا من من يسمونهم خبراء، ومما أذكره في هذا المجال أنني كنت ومجموعة من الأصدقاء نتجاذب أطراف الحديث حول قضية ساخنة في تلك الأيام، عندما أنضم إلينا واحد من خبراء الشاشات، فسألنا عن القضية التي لم يكن سمع عنها شيئا، وأثناء ذلك اتصلت به إحدى القنوات التي اعتادت أن تستضيفه كخبير، فانطلق يحلل ويستنتج ويتوقع بكلمات ومصطلحات فضفاضة، بالرغم من إقراره قبل دقيقة بأنه لم يسمع عن هذه القضية شيئا.

خطورة هذا النفخ لبعض هؤلاء الذين تسميهم وسائل الإعلام خبراء، أنهم يصدقون أنفسهم فيمارسون دور الخبير والمعلم في محيطهم ومع من يتعاملون معهم. وهذه إحدى النتائج السلبية لغياب المعايير والمقاييس والصفات والشروط عند بعض العاملين بالإعلام في الأردن، التي يدفع ثمنها المجتمع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى