هل تعمد ترامب التلاعب بسوق الأسهم في حربه الاقتصادية؟

أخبار حياة – «إنه الوقت المناسب للشراء.. “مجموعة ترامب للإعلام والتكنولوجيا”، تدوينة قصيرة مثيرة للجدل، نشرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، صباح الأربعاء الماضي عبر منصته للتواصل الاجتماعي «تروث سوشيال» كانت كفيلة بأن تقلب الأسواق رأساً على عقب بين عشية وضحاها في يوم دخول الرسوم الجمركية حيز التنفيذ، لا سيما وأنه أتبعها بحلول المساء بقرار تعليق تطبيق تلك التعريفات لمدة 90 يوماً، ما كان حافزاً لقفزة تاريخية في «وول ستريت».
أثار موقف ترامب الكثير من اللغط الذي لم يخل من اتهامات له بـ«تعمد التلاعب» بالأسواق، بعد نصيحته بـ«الشراء» قبل الإعلان عن قراره الحاسم بساعات، وهو ما أثار تساؤلات واسعة بشأن علاقة الرئيس الأمريكي بسوق الأسهم وتأثير تصريحاته على توجهات «وول ستريت»، ومدى إمكانية استغلاله لخطاباته للتأثير على أسعار الأسهم لمصلحة بعض الأطراف، بما في ذلك شركته المشار إليها DJT (ترامب ميديا) التي ارتفعت أسهمها بنحو 10.53 % خلال الأسبوع (وفق حسابات «البيان»).. وما إن كان ذلك التوجيه بمثابة تحفيز حركة غير طبيعية للأسواق بعد التراجعات التي منيت بها تحت ضغط الرسوم.
تقلبات حادة
كانت الأسواق العالمية قد شهدت تقلبات حادة في الأسبوع الأخير، تحت ضغط «التعريفات»، ثم الإعفاء المؤقت، مع استمرار «حرب الرسوم المتبادلة» بين الولايات المتحدة والصين، مما عزز حالة الضبابية وعدم اليقين الاقتصادي. لكن «وول ستريت» قفزت بنهاية تعاملات الأربعاء – وهو يوم تدوينة ترامب المشار إليها وقرار تعليق الرسوم لاحقاً – بشكل لافت، ليرتفع مؤشر «إس آند بي 500» بنسبة 9.52 % (في أكبر مكسب يومي منذ 2008)، كما ارتفع مؤشر داو جونز بأكثر من 2900 نقطة (أو 7.9 %) وهو الارتفاع الأكبر منذ 2020. وقفز ناسداك بنحو 12.5 % (أكبر مكسب يومي منذ 2001).
جاء ذلك قبل أن تتراجع المؤشرات بعد ذلك يوم الخميس بضغط تأثر معنويات المستثمرين بحالة الضبابية المرتبطة بالسياسات التجارية مع رفع الرسوم على الصين، بينما عاودت الارتفاع في الجلسة الختامية يوم الجمعة بعد إشارة البيت الأبيض إلى أن ترامب متفائل بأن بكين سوف تسعى إلى التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة.
محاسبة ترامب
بحسب مراقبين، فإنه من الواضح أن توقيت تصريحات ترامب المشار إليها كان مدروساً بعناية، مما يثير تساؤلات حول فاعليته في توجيه تحركات السوق، وسط تساؤلات عن الأطراف المستفيدة من ذلك.
وفي هذا السياق، يقول المستشار المالي الأمريكي، رايان هيوز لـ«البيان»: إنه «من الصعب إثبات أن ترامب لم يحفز أنصاره على الاستثمار في الأسواق قبل ساعات من إعلان تعليق الرسوم الجمركية»، مشدداً على أن الرئيس الأمريكي «كان هو المحرك الرئيسي لجميع الأسواق المالية في الآونة الأخيرة، ولذا ليس من المبالغة القول إنه يجب أن يحاسب وفقاً لمعايير أعلى عند إجراء تغييرات في السياسات».
ويعتقد مدير المحافظ المالية ومؤسس شركة bulloak، أن «البنوك الاستثمارية التي تمتلك أقساماً للتداول الخاص كانت من المستفيدين الرئيسيين في الفترة الأخيرة جراء سياسات الرئيس ترامب (منذ عودته إلى البيت الأبيض في 20 يناير الماضي)؛ فعلى سبيل المثال أعلنت جي بي مورغان أخيراً عن تحقيق إيرادات قياسية من قسم التداول لديها بفضل التقلبات المرتفعة في الربع الأول.
ومن المؤكد أن هذه التقلبات ستستمر في تعزيز هذا الاتجاه».
ويضيف: «كما كانت أوروبا أيضاً من المستفيدين، ذلك أن اليورو شهد قوة متزايدة مقابل الدولار الأمريكي، إضافة إلى مناقشاتها بشأن صفقة تجارية كبيرة مع الصين، مما يعزل الولايات المتحدة فعلياً».
دعوة وفي سياق الشكوك التي تلاحق موقف ترامب منذ يوم الأربعاء، طالب مشرعون وقانونيون ومستثمرون أمريكيون بالتحقيق.
ودعا زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر والسيناتور إليزابيث وارين (ديمقراطية من ماساتشوستس) هيئة الأوراق المالية والبورصات للتحقيق فيما إذا كان المطلعون وأصدقاء إدارة ترامب قد استفادوا من المعرفة الداخلية عندما أوقف الرئيس ترامب التعريفات الجمركية الباهظة هذا الأسبوع. ووقع على الرسالة أعضاء مجلس الشيوخ آدم شيف ورون وايدن ومارك كيلي ووروبن جاليجو.
وجاء في الرسالة: «من غير الواضح أي المسؤولين والتابعين للرئيس ترامب كان لديهم علم مسبق بخططه لتأخير التعريفات الجمركية، ولكن ربما كان المطلعون على علم بأنه كان سيعلن عن توقف التعريفات الجمركية وأن السوق سوف تتحسن».
كذلك وصف السيناتور كريس مور، في تدوينة له عبر منصة إكس (تويتر سابقاً) ما حدث بأنه «فضيحة تداول داخلي»، وإلى أن تدوينة ترامب الصباحية تشير إلى نية مبيته من أجل منح أنصاره الأفضلية المالية لجهة الحصول على المعلومات الخاصة. ووصف نواب آخرون ذلك بـ«الفساد».
وطالب آخرون بالتحقق في عمليات شراء أعضاء الكونغرس بسوق الأسهم، وكتبت عضو الكونغرس ألكسندريا أوكاسيو كورتيز، عبر صفحتها على إكس: «على أي عضو في الكونغرس اشترى أسهماً خلال الـ 48 ساعة الماضية أن يفصح عن ذلك الآن.. سمعت حديثاً مثيراً للاهتمام.. الموعد النهائي للإفصاح هو 15 مايو.. سنكتشف بعض الأمور قريباً»، قبل أن تذيل تدوينتها بالإشارة إلى أنه «حان الوقت لحظر التداول بناءً على معلومات داخلية في الكونغرس».
بينما اكتفى ترامب من جانبه بتبرير توقيت تدوينته، بالإشارة فقط إلى أنه كان يفكر في هذا الأمر في الأيام الماضية، دون المزيد من التوضيح. لكن السكرتيرة الصحافية كارولين ليفيت، علقت بقولها إن الكثيرين في وسائل الإعلام فاتهم بوضوح «فن الصفقة».
ورفض المتحدث باسم البيت الأبيض كوش ديساي، تلك التعليقات. وقال في بيان يوم الخميس: «إن مسؤولية الرئيس هي طمأنة الأسواق والأمريكيين بشأن أمنهم الاقتصادي في مواجهة حملات الترويج للخوف التي تبثها وسائل الإعلام باستمرار»، متهماً الديمقراطيين بأنهم «يلعبون ألعاباً حزبية، بدلاً من الاحتفاء بالإجراء الحاسم الذي اتخذه الرئيس ترامب أمس لحصار الصين».
وبلغ مجموع نسبة الرسوم الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة على الصين 145 %، بينما رفعت بكين من جانبها الرسوم المفروضة على المنتجات الأمريكية إلى 125 % من 84 % سابقاً، في سياق حرب الرسوم المتبادلة بين الجانبين، بعد إعلان ترامب المثير عن رسومه الجمركية الجديدة في الثاني من أبريل والتي طالت عشرات الدول، وأحدثت زلزالاً اقتصادياً واسع المدى.
أهداف ترامب
يقول استراتيجي الأسواق المالية ، جاد حريري لـ«البيان»: إن «ما شهدناه نهار الأربعاء الماضي من تغريدات لترامب وبعدها ارتفاع في الأسواق يعتبر نوعاً من التلاعب في الأسواق»، مشيراً إلى أن الهدف (من هذا التلاعب) قد يكون سياسياً أو اقتصادياً، أو حتى لتحقيق منافع ومصالح شخصية، لكن في النهاية الأمر يبرز بشكل جلي، فعندما يطلق ترامب تغريدة، وخلال أربع إلى خمس ساعات فقط، تبدأ الأسواق في الارتفاع بهذا الشكل، فإن ذلك يعد تلاعباً مباشراً في قلب السوق. وقد طالب بالفعل أطراف من داخل الكونغرس الأمريكي بالتحقيق بهذا الشأن، نظراً لحجم التأثير الكبير.
أما لجهة الأطراف المستفيدة، فيقول إن ترامب هو المستفيد والمقربين حوله من الممكن أن يكونوا مستفيدين (في إشارة إلى الحصول على أفضلية مالية ومعلومات داخلية)، لافتاً إلى الارتفاعات التاريخية التي سجلتها «وول ستريت» خلال تعاملات الأربعاء.. لكنه يقول في الوقت نفسه: إن هذا الصعود لم يترجم إلى تأثير إيجابي، بل العكس تماماً؛ فقد أثار القلق والخوف بين المستثمرين بشأن كيفية تصرف ترامب في المرحلة المقبلة.
ويتابع: «نحن الآن عندما نجتمع مع مديري المحافظ الاستثمارية وغيرهم، نلحظ هذا التوجس.. يقولون نحن في مرحلة تحوط؛ لأن تغريدة واحدة من ترامب تقلب الأسواق رأساً على عقب.. بالتالي هذا تأثير سلبي يعزز عدم ثقة المستثمرين».
ويشار إلى أن «وول ستريت» نجحت – في أسبوع مشحون – في تسجيل مكاسب أسبوعية قوية، إذ سجل اس&ب500 ارتفاعاً بنحو 5.7 %، في أفضل أداء أسبوعي منذ شهر نوفمبر 2023، كما سجل مؤشر ناسداك قفزة بنحو
7.3 %، في أفضل أداء أسبوعي منذ نوفمبر 2022، كذلك حقق داو جونز الصناعي مكاسب بنحو 5 % خلال الأسبوع، مستفيدين من الزخم الصعودي بعد تصريحات ترامب وقرار إرجاء تطبيق الرسوم، وكذلك تصريحات البيت الأبيض لاحقاً بشأن موقف الصين.
عشوائية
الرئيسة التنفيذية ومديرة الاستثمار في Laffer Tengler، نانسي تينجلر، تقول: إن الرئيس الأمريكي يتعامل بطريقته الخاصة التي يسميها «فن الصفقة»، لكنها تنتقد ذلك الأسلوب بقولها: «حين تكون رئيساً لأقوى اقتصاد في العالم، وبإمكان كلماتك وحدها أن تزعزع الأسواق العالمية، فلا بد من قدرٍ من الانضباط».. وتصف تلك السياسة، في ورقة تحليلية شاركتها مع «البيان» بأنها عشوائية بشكل غير مسبوق، قائلة: لأيام سمعنا وعوداً بأن (يوم التحرير) قادم، ثم جاءت اللحظة المنتظرة، وإذا بنا أمام رسم بياني يعرض رسوماً جمركية غامضة بلا تفسير.
وبينما تشير إلى صعوبة «فك شيفرة ما أعلنته الإدارة الإدارة الأمريكية من سياسات»، فإنها تؤكد في الوقت نفسه على أن «الأسواق في الوقت نفسه لا تتسامح مع الغموض». كما تشدد على أنه «بعد هذه الفوضى، فإن الأسواق بحاجة إلى شيء واحد، وهو الوضوح، مثل ما نوع الصفقات التي يتم إبرامها بالفعل، وذلك بعد أن أشار ممثلو إدارة ترامب إلى تلقيهم اتصالات من 50 دولة (من أجل الدخول في مفاوضات تجارية مشتركة)».
وتحذر من أنه «كلما طال أمد هذا الوضع (لجهة حالة عدم اليقين الاقتصادي)، ساءت حالة النمو الاقتصادي وزاد احتمال حدوث ركود»، لكنها تستبعد في الوقت نفسه هذا الافتراض. فيما تشدد على ضرورة أن تدرك الإدارة الأمريكية حقيقة أنها «تقيد الابتكار وتعطي أفضلية للمنافس الصيني من خلال فرض رسوم جمركية عقابية».
اكتشاف المزيد من أخبار حياة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.