اقتصاد

المصدرون الصينيون يرون أمريكا «نمراً من ورق»

أخبار حياة – بينما تثير الزيادة في الرسوم الجمركية، التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اضطراباً واسعاً في الأسواق العالمية، يظهر المصدرون في مدينة ييوو الصينية، المشهورة بتصنيع كل شيء من أشجار عيد الميلاد إلى قبعات الحملات الانتخابية لترامب، تحدياً هادئاً.

في هذه المدينة الواقعة شرق الصين، والتي تلقب بـ«مدينة الحلي»، يقابل التجار الحرب التجارية بثقة وطنية، تعكس ما تؤكده بكين من أن البلاد قادرة على الصمود أمام ما وصفه البعض بـ«عدوان اقتصادي أمريكي».

قال كيني تشي، أحد المصدرين في متجر صغير مزين بقمصان تحمل عبارة «لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً»، داخل مركز تجارة ضخم في ييوو: «ترامب يريد سرقة جزء من كعكة الصين، لكنه فوجئ عندما ردت بكين برسوم جمركية وصلت إلى 125 % هذا الأسبوع».

وأضاف كيني تشي أن الرئيس الأمريكي سيضطر إلى التراجع «خلال نصف شهر على الأكثر»، مشيراً إلى أن رسوم ترامب الجديدة تفوق بكثير التهديدات، التي أطلقها خلال حملته الانتخابية، والتي كانت بحدود 60 % واعتبرها كثير من الاقتصاديين حينها سيناريو كارثياً.

وبينما تشتد المعركة التجارية صعدت بكين خطابها القومي لتهيئة الرأي العام لمرحلة من الانفصال الاقتصادي الصعب عن الولايات المتحدة.

ونشرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، مقطع فيديو عبر منصة «إكس» يظهر الزعيم الراحل ماو تسي تونغ وهو يلقي خطاباً خلال الحرب الكورية (1950 – 1953)، حين قاتلت القوات الصينية ضد قوات الأمم المتحدة بقيادة أمريكية.

قال الرئيس ماو آنذاك في المقطع: «مهما طالت هذه الحرب فلن نستسلم أبداً، سنقاتل حتى نحقق النصر الكامل».

في تصعيد جديد للهجوم الدعائي الصيني ضد واشنطن، استشهدت المتحدثة باسم الخارجية الصينية، ماو نينغ، في منشور آخر على وسائل التواصل الاجتماعي، بقول لماو تسي تونغ يعود إلى عام 1964، جاء فيه: «الولايات المتحدة ترهب بعض الدول وتمنعها من التعامل التجاري معنا، لكنها مجرد نمر من ورق. لا تنخدعوا بتهديداتها، يكفي وخزة واحدة لتنفجر».

يأتي هذا التصريح في إطار حملة دعائية متكاملة ترافق الرسوم الجمركية الانتقامية، التي فرضتها بكين، والتي شملت أيضاً تهديدات بتقليص وصول أفلام هوليوود إلى السوق الصينية، وتحذيرات للمواطنين من السفر إلى أمريكا أو الدراسة هناك.

كما كثفت وسائل الإعلام الحكومية تقاريرها عن معاناة الأمريكيين من ارتفاع تكاليف المعيشة، في محاولة لإظهار أن السياسات التجارية لترامب ترتد سلباً على الداخل الأمريكي.

ونشرت صحيفة «جلوبال تايمز»، التابعة للحزب الشيوعي الصيني والمعروفة بنهجها القومي، قصصاً عن الصعوبات التي يواجهها الأمريكيون في شراء ضرورياتهم.

وقالت نيي زي تشين، صاحبة متجر في ييوو يبيع زينة عيد الهالوين للأسواق الأمريكية وغيرها، تعليقاً على ذلك: «الأخبار تقول إن الأمريكيين بدأوا بالفعل يتهافتون على شراء البيض والدقيق وزيت الطهي».

وجاءت نيي زي تشين إلى مدينة ييوو قبل أكثر من 20 عاماً وهي في السادسة عشرة من عمرها، حيث بدأت كعاملة في مصنع صغير. واليوم، تدير نيي مصنعها الخاص وتوظف أكثر من 100 شخص، لكنها اعترفت بأن الحرب التجارية مع الولايات المتحدة «صدمتها وأصابتها بخيبة أمل»، بعد سنوات طويلة من التعامل التجاري مع السوق الأمريكية.

وقالت نيي إنها رفضت مطالب عملاء أمريكيين بخفض الأسعار عقب اندلاع الحرب التجارية، رغم أن بعض العقود أُلغيت واضطرت إلى تسريح أكثر من 10 % من عمالها.

وأضافت بفخر وهي تبرز منتجاً فاخراً مخصصاً للسوق الأمريكية، وهو قناع زومبي مرسوم عليه بقع دماء يدوياً: «الصينيون يفكرون بطريقة مختلفة عن الأجانب. نحن ندخر المال، ويمكننا الصمود لعام أو اثنين أو حتى ثلاثة. الأجانب ينفقون ما يكسبونه».

وأكدت بثقة أن الصين قادرة على كسب أي «حرب طويلة الأمد»، مشيرة إلى أن «الشعب الصيني مجتهد، ومثابر ويمكنه تحمل المشقة»، وهي عبارة شائعة في خطابات الرئيس شي جين بينغ.

ورغم أن المنتجين في ييوو يصدرون أيضاً إلى أوروبا ودول العالم النامي، ما يجعلهم في موقع أفضل لمواجهة حرب تجارية مع أمريكا، إلا أن الوضع مختلف في أماكن أخرى من الصين، حيث يشعر كثيرون بوطأة الضغوط المتزايدة، ففي مدينة تشنغتشو بوسط الصين، حيث تصنع شركة أبل معظم هواتف آيفون الخاصة بها، يشعر كثيرون بالقلق. وقال عامل في استراحة من خط تجميع هواتف آيفون المملوك لشركة فوكسكون، المتعاقدة مع «أبل»: «كل شيء طبيعي حالياً، لكن الصين تتعرض لضغط كبير».

بدأت شركة «أبل» زيادة عدد الرحلات الجوية التي تنقل أجهزة «آيفون» من الهند إلى أمريكا، في خطوة ينظر إليها على أنها محاولة للالتفاف على تداعيات تصعيد دونالد ترامب في الحرب التجارية مع الصين.

وفي مصنع «أبل» الضخم بمدينة تشنغتشو وسط الصين، قال أحد العمال إنهم يتوقعون تقليص ساعات العمل قريباً، مشيراً إلى أن «الشركة ستخفض الإنتاج، وقد يؤدي ذلك إلى تقليص فرص العمل». وقال مندوب مبيعات في شركة لوجستيات في تشجيانغ، المقاطعة الساحلية الثرية، التي تضم ييوو: «إنه حتى لو انخفض التبادل التجاري المباشر مع أمريكا وتنويع المصدرين لأسواقهم فإن السوق الأمريكية ستظل مهمة».

وأضاف: «لا تزال أكبر سوق في العالم، وقوتها الاستهلاكية وحجم سوقها لا يضاهيان».

وفي علامة على التضامن بين المنتجين في السوق الصينية، التي تتسم عادة بالمنافسة الشديدة، قال زو يويلاي، وهو مصدر لمعدات التخييم من ييوو، إن اتحاد الصناعات في المدينة يسعى لدعم الشركات الكبرى في أنحاء أخرى من البلاد، والتي تعتمد بشكل أكبر على السوق الأمريكية.

وأوضح زو أن مصدري ييوو فتحوا شبكاتهم من الزبائن في الدول النامية أمام هذه الشركات، رغم أنها كانت في السابق تتخذ مواقف متعالية تجاه مصدري المدينة من الشركات الصغيرة والمتوسطة.

وبينما تعاني شركات صينية عديدة من الحرب التجارية، تجاهل تشي، صانع بضائع «ماجا» (لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً)، أي اقتراح بأن عمله قد يتأثر. وقال إن مؤيدي ترامب مستعدون لدفع أي ثمن مقابل السلع التي تحمل صورة رئيسهم المحبوب، وأن الموردين الأمريكيين يحققون أرباحاً ضخمة منها لدرجة أنهم يستطيعون استيعاب جزء من تأثير الرسوم الجمركية.

على سبيل المثال، قال تشي إن تكلفة صناعة قبعة «ترامب» في الصين تبلغ 7.5 يوان (نحو دولار واحد)، وقد ترتفع بفعل الرسوم إلى 20 يواناً، لكنها تباع في أمريكا مقابل 50 دولاراً، وربما حتى 60 دولاراً، تحت ذريعة الرسوم.

وقال تشي: «يمكن للبائعين الأمريكيين حتى استخدام الرسوم الجمركية كذريعة لرفع السعر إلى 60 دولاراً، ومع ذلك سيظل المستهلكون الأمريكيون يتحملون التكلفة الإضافية».


اكتشاف المزيد من أخبار حياة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أخبار حياة