اقتصاد

انخفاض الأسعار يضع النفط الصخري الأمريكي على حافة الخطر

أخبار حياة – حذّر مسؤولون تنفيذيون في قطاع النفط الصخري الأمريكي من أزمة غير مسبوقة تهدد الصناعة، حيث دفع الانهيار المفاجئ في أسعار الخام جزءاً كبيراً من القطاع إلى حافة الإفلاس، وتفاقمت هذه الأزمة نتيجة للحرب التجارية التي أطلقها الرئيس دونالد ترامب.

وكانت أسعار النفط الأمريكي قد تراجعت بنسبة 16 % بعد «يوم التحرير»، وهو اليوم الذي أطلق فيه ترامب أحدث تعريفاته الجمركية الأسبوع الماضي، لتهبط الأسعار دون المستوى الذي يعتبره منتجو تكساس ضرورياً لتحقيق التعادل المالي، ما أثار مخاوف من اضطرار القطاع إلى تعطيل منصات الحفر وتجميد عمليات الإنتاج.

ومجدداً، سجلت الأسعار انخفاضاً حاداً الخميس الماضي وبددت مكاسب اليوم السابق، حيث انصب تركيز الأسواق العالمية على الحرب التجارية بين الصين وأمريكا. وتراجع خام غرب تكساس الوسيط، المعيار القياسي الأمريكي، إلى ما دون 60 دولاراً للبرميل، بانخفاض دولارين عن مستويات الأربعاء، فيما شكل قرار «أوبك» الأخير بزيادة الإنتاج مصدر قلق إضافي للقطاع.

وقال كيرك إدواردز، رئيس شركة «لاتيجو» للبترول، ومقرها أوديسا في تكساس: «هذا الوضع يذكرني تماماً بأزمة كوفيد»، في إشارة لانهيار الأسعار عام 2020، الذي تسبب بموجة إفلاسات واسعة في قطاع النفط الصخري.

وكانت أسواق النفط حينذاك تواجه تهديداً مزدوجاً أيضاً، وتراجع الطلب وزيادة الإمدادات من أوبك، مثل السعودية، التي أعلنت الأسبوع الماضي خطة لزيادة الإمدادات بوتيرة أسرع من المتوقع خلال الأشهر المقبلة.

وأضاف إدواردز: «نحن نواجه ضربة مزدوجة مجدداً»، محذراً من أنه إذا لم تتعاف الأسعار خلال الشهرين المقبلين، فقد يشهد حوض بيرميان – أكثر حقول النفط إنتاجية في العالم ومحرك الصناعة الأمريكية – «أحداثاً كارثية».

وفي ميدلاند المجاورة، أكد آندي دي لا روزا، العامل بقطاع خدمات حقول النفط، أن حالة من القلق تسود في حوض بيرميان، مشيراً إلى أوجه تشابه مع انهيار سابق للأسعار قبل عقد، عندما أدى ارتفاع الإنتاج الأمريكي وتدفق النفط السعودي إلى تخمة في السوق وانهيار الأسعار.

وما يحدث في سوق النفط حالياً، حسبما يقول دي لا روزا، الذي يعمل لدى شركة «أندر دوج وايرلاين»: «يذكره بانهيار الأسعار في عام 2015»، مضيفاً أن «رؤية الأسعار تهبط إلى نطاق الخمسين دولاراً أمر مقلق للغاية. الأمر يحمل الكثير من أوجه التشابه، وأخشى من أن تخمة عالمية في النفط الخام … ستؤدي حتماً إلى تسريح المزيد والمزيد من العاملين».

وحذر بيل سميد، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة «سميد كابيتال ماناجمنت» التي تمتلك حصصاً في عدة شركات للنفط الصخري، من أن حرب التعريفات الجمركية أحدثت «فوضى دامية» تهدد بإبعاد المستثمرين عن قطاع النفط والغاز.

وأضاف: «ترامب يريد خفض سعر النفط إلى 50 دولاراً، وهو ما سيؤدي إلى تقلص عدد شركات القطاع إلى النصف»، مشيراً إلى أن ذلك سيؤدي إلى موجة من عمليات الاندماج والاستحواذ «حيث ستقوم الشركات القوية بالتقاط أشلاء اللاعبين الضعفاء».

ويتزامن الانهيار الحاد في أسعار النفط خلال الأيام الأخيرة مع اضطرابات هائلة في أسواق الأسهم العالمية أثارها قرار ترامب بإطلاق حرب تجارية عالمية.

إلا أن إعلان الرئيس الأمريكي يوم الأربعاء الماضي تراجعه عن فرض أقسى الرسوم التي كان يخطط لها، ما دفع أسواق الأسهم للارتفاع بشكل حاد، وارتفعت أسعار النفط أيضاً، حيث بلغ سعر خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 63 دولاراً للبرميل الأربعاء، لكنها تظل دون أعلى مستوياتها هذا العام بكثير، وعالقة في منطقة الخطر بالنسبة للعديد من المنتجين.

ويؤكد محللون أن قرار ترامب بالإبقاء على التعريفات الجمركية على الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، سيلقي بظلاله على آفاق الطلب العالمي على النفط الخام، حيث يقول بيل فارن – برايس من معهد أكسفورد لدراسات الطاقة: «كانت هناك توقعات مستقرة إلى حد كبير لنمو الطلب على النفط هذا العام، أعتقد أنها جميعاً أصبحت الآن في مهب الريح».

ومع انخفاض الأسعار إلى ما دون 60 دولاراً للبرميل، ستواجه العديد من شركات النفط الأمريكية صعوبة في تحقيق الأرباح، خصوصاً في الأحواض النفطية القديمة بالبلاد، ما قد يضطرها لوقف عمليات الحفر وتسريح منصات التنقيب وتقليص الوظائف.

وحسب تقديرات شركة ريستاد إنرجي، فإن العديد من منتجي النفط الصخري الأمريكيين يحتاجون إلى سعر 62 دولاراً للبرميل من خام غرب تكساس الوسيط لتغطية تكاليفهم بالكامل، بما في ذلك خدمة الديون وتوزيعات الأرباح على المساهمين.

وتزداد المخاوف في السوق من احتمال أن تتجه المملكة العربية السعودية، التي تتمتع بواحد من أدنى تكاليف إنتاج النفط في العالم، نحو زيادة إنتاجها للاستحواذ على حصة سوقية أكبر، والسماح للأسعار بالانخفاض لإخراج المنتجين ذوي التكلفة العالية من السوق. يذكر أن قرار منظمة أوبك الأخير بزيادة الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يومياً، كان قد فرض ضغوطاً على أسعار النفط الخام حتى قبل اندلاع أزمة التعريفات الجمركية التي أطلقها ترامب.

وأشعلت الاضطرابات الأخيرة موجة بيع حادة لأسهم شركات النفط الصخري التي تتكبد تكاليف إنتاج تفوق نظيرتها في قطاع النفط التقليدي، وتراجعت أسهم عمالقة القطاع مثل «أوكسيدنتال بتروليوم» و«ديفون إنرجي» بأكثر من 12 % من قيمتها خلال الأيام الخمسة التي أعقبت إعلان ترامب عن «التعريفات المتبادلة».

ورغم حدة الأزمة الراهنة، إلا أنها لا ترقى إلى مستوى كارثة 2020، عندما غرق سعر النفط القياسي الأمريكي للحظات إلى ما دون الصفر، تحت وطأة جائحة كوفيد التي عصفت بالطلب العالمي، ما شلّ حركة صناعة النفط الصخري وأطاح بآلاف الوظائف في ظل انهيار عشرات الشركات تحت مطرقة الإفلاس.

غير أن القطاع نجح في تحقيق انتعاشة لافتة منذ ذلك الحين، إذ فرضت أوساط المال في وول ستريت على المنتجين ضبط أوضاعهم المالية والكف عن حملات التنقيب المكلفة، ويرى المحللون أن سياسة التقشف المالي الجديدة مكنت المنتجين من التحصن بشكل أفضل لمواجهة أي أزمة جديدة.

وعاود إنتاج النفط الأمريكي الصعود بقوة منذ صدمة 2020، ليبلغ ذروة غير مسبوقة تجاوزت 13 مليون برميل يومياً في 2024، إلا أن المحللين الذين راهنوا على بلوغ البلاد معدلات إنتاج أعلى هذا العام يعكفون الآن على تعديل توقعاتهم، مع ترجيح حدوث أول تراجع في الإنتاج منذ الجائحة.

وكشفت مؤسسة «إس آند بي جلوبال كوموديتي إنسايتس» عن أن هبوط سعر النفط إلى 50 دولاراً قد يؤدي إلى تراجع الإنتاج بأكثر من مليون برميل يومياً، ما يقوض تماماً مساعي إدارة ترامب لتحفيز الإنتاج بوتيرة متسارعة لكبح جماح أسعار الوقود في أمريكا.

وساند العديد من قادة النفط الأمريكيين ترامب في انتخابات العام الماضي، لكنهم يعانون الآن تداعيات انهيار الأسعار منذ دخوله البيت الأبيض، فيما بدأ بعضهم توجيه انتقادات حادة لاستراتيجية الإدارة الأمريكية في قطاع الطاقة.

وكتب كايس فان هوف، رئيس شركة «دايموندباك إنرجي»، في تدوينة على منصات التواصل الاجتماعي هذا الأسبوع مخاطباً وزير الطاقة كريس رايت: «يجب أن تمتلك هذه الإدارة خطة @السكرتير_رايت. القطاع الوحيد الذي بنى نفسه فعلياً في الولايات المتحدة، وصنع منتجاته محلياً، وعزّز فرص العمل، وقلّص العجز التجاري (وبالتالي الناتج المحلي الإجمالي) على مدار العقد الماضي … قرار بالغ الحكمة حقاً!» ولم يرد فان هوف على طلب للتعليق.

من جهته، قال أدريان كاراسكو، مالك شركة بريمير إنرجي سيرفيسز المتمركزة في منطقة ميدلاند-أوديسا: «إنه لا يشعر بالهلع لأن غالبية منتجي النفط الصخري يؤمنون أسعار مبيعات النفط عبر عقود تحوط تمتد بين ستة و12 شهراً. إلا أنه حذر من أن التعريفات الجمركية سترفع تكاليف الصناعة بشكل كبير».

وأضاف: «الوضع مقلق، فقد ارتفعت تكاليفهم الآن بنسبة إضافية 25 % لشراء أنابيب الحفر. وحين ترتفع هذه التكاليف بينما تظل أسعار البيع ثابتة، فلا بد من إجراء تعديلات جذرية».


اكتشاف المزيد من أخبار حياة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أخبار حياة