اقتصاد

“صراع العروش التجارية”.. من أكثر قدرة على الصمود الولايات المتحدة أم الصين؟

أخبار حياة – تتربع الولايات المتحدة منذ منتصف القرن العشرين على عرش النظام الاقتصادي العالمي بفضل قوتها الصناعية، وهيمنة الدولار، ودورها المؤسس في معظم المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

بالمقابل، برزت الصين منذ أواخر السبعينيات، حين أطلق دنغ شياو بينغ (حكم بين 1978-1929) سياسة “الإصلاح والانفتاح”، ليتحول الاقتصاد الصيني من زراعي مغلق إلى قوة تصنيعية عالمية، تهيمن اليوم على سلاسل الإمداد في قطاعات متعددة، بطموحات كبيرة.

وفي عام 2025، وبعد إعلان الرئيس دونالد ترامب فرض رسوم جمركية شاملة في 2 أبريل، واصفاً القرار بـ”يوم التحرير”، عاد التوتر التجاري بين القوتين إلى الواجهة، وسط ترقّب لتفاعلات قد تغيّر موازين القوة الاقتصادية العالمية.

أرقام وتوجهات

تُعد الصين اليوم أكبر دولة تجارية في العالم، بحجم صادرات سلعية بلغ 3.6 تريليونات دولار عام 2022، مقابل واردات بقيمة 2.7 تريليون دولار.

أما الولايات المتحدة، فرغم تفوقها كأكبر مستورد عالمي، فإن عجزها التجاري يتجاوز تريليون دولار سنوياً.

كما أن الصين تحقق فائضاً تجارياً ضخماً، وتسيطر على نحو 14% من الصادرات العالمية.

لكن الأمر لا يقتصر على الأرقام، فالصين باتت تشكّل نحو 30% من القيمة الصناعية المضافة عالمياً، متفوقة على أميركا وأوروبا مجتمعتين، وتحتفظ بموقع مركزي في سلاسل الإمداد العالمية، خصوصاً في السلع الوسيطة التي تشكّل 60% من تجارتها الخارجية.

في المقابل، تسعى واشنطن لإعادة توطين صناعات استراتيجية، و”خفض المخاطر” من الاعتماد على الصين.

وبالفعل، انخفضت وارداتها من بكين بنحو 20% في 2023، إلا أن التغيير لا يزال محدود التأثير بحسب تقارير لوكالة “فيتش”.

على صعيد الاتفاقيات، انسحبت أميركا من الشراكة عبر المحيط الهادئ، بينما توسّعت الصين في نفوذها عبر “الحزام والطريق” الذي يشمل 150 دولة، وانضمامها إلى اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة المعروفة اختصاراً بـ (RCEP)، أكبر تكتل تجاري في العالم من حيث الناتج المحلي.

ويشكّل فرض ترامب رسوماً جمركية شاملة في أبريل الجاري حلقة جديدة من صراع مستمر منذ 2018، حين فرضت إدارته الأولى تعريفات بـ25% على سلع صينية بقيمة 370 مليار دولار.

واليوم، عادت تلك الرسوم بزخم أكبر، وسط تسريبات عن نية خفض الدولار أيضاً كأداة مكمّلة للحرب الاقتصادية.

معركة العقول

تستثمر الصين أكثر من 470 مليار دولار سنوياً في البحث والتطوير، وتسعى لتصدّر العالم في الذكاء الاصطناعي بحلول 2030، وتتصدر جامعاتها، مثل بكين وتسينغهوا، الإنتاج الأكاديمي العالمي في الذكاء الاصطناعي، وشركاتها مثل هواوي وعلي بابا تقود الابتكار في الحوسبة السحابية، وشبكات 5G، والخوارزميات.

لكن الولايات المتحدة لا تزال متقدمة في الجودة والابتكار، إذ تسيطر شركاتها على الأسواق العالمية.

وفي 2022، أنفقت أمازون وحدها 73 مليار دولار على البحث، وتبعتها شركات أمريكية أخرى في قائمة الأعلى إنفاقاً عالمياً.

السباق الأهم في معركة العقول يدور حول أشباه الموصلات، القلب النابض للاقتصاد الرقمي والعسكري، حيث أطلقت أميركا قانون لدعم تصنيع الرقائق داخل البلاد بميزانية تبلغ 52.7 مليار دولار، بينما أنفقت الصين نحو 50 مليار دولار في 2024 على معدات تصنيع الشرائح، رغم العقوبات الأميركية.

في مجال الطاقة النظيفة، تمثل الصين أكثر من ثلث الاستثمارات العالمية، فهي تهيمن على تصنيع الألواح الشمسية والبطاريات، وتسيطر على سلاسل التوريد لمكونات السيارات الكهربائية، متفوقة على الولايات المتحدة في الكمِّ والإنتاج، وإن بقيت الأخيرة متفوقة في براءات الاختراع والابتكار الأساسي.

نفوذ مالي

لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بأقوى سلاح اقتصادي في العالم؛ ألا وهو الدولار، فنحو 59% من احتياطيات البنوك المركزية مقوّمة به، فيما تمر نسبة 88% من معاملات الصرف الأجنبي عبره.

هذه الهيمنة تسمح لواشنطن بفرض عقوبات مالية فورية، وجذب رؤوس الأموال العالمية لتمويل العجز دون ضغوط حقيقية.

مع ذلك، تمضي الصين بخطى ثابتة نحو تدويل اليوان، الذي بات يمثل 3% من الاحتياطيات العالمية، ويدخل في تسويات تجارية مع روسيا، إيران، وعدد من دول الجنوب العالمي، كما طوّرت بكين نظام دفع خاص بها لتقليل الاعتماد على “سويفت”.

وفي الاستثمار الأجنبي، تظل أمريكا الوجهة الأولى عالمياً، مستقطبة نحو 285 مليار دولار في 2022، وجاءت الصين في المركز الثاني، رغم تراجع التدفقات إليها في 2023 بفعل الضبابية التنظيمية.

أما في أدوات النفوذ، فالصين تمتلك أحد أكبر صناديق الثروة السيادية بأصول تتجاوز 1.3 تريليون دولار، إلى جانب احتياطيات نقدية ضخمة، أما واشنطن فتعتمد على عمق أسواقها المالية، وهيمنة صناديق مثل “بلاك روك” و”فانغارد”، اللذين يديران مجتمعين أصولاً تفوق 15 تريليون دولار.

مؤسسات “بريتون وودز”

تملك واشنطن قوة التصويت الأعلى في صندوق النقد بنسبة تبلغ (16.5%) كما تمتلك حق النقض غير الرسمي فيه، بينما تحاول بكين تعزيز نفوذها عبر تأسيس مؤسسات جديدة مثل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية وبنك التنمية الجديد الذي تديره دول البريكس.

هذه المؤسسات تمثل بديلاً متزايد التأثير للمؤسسات التي أنتجتها اتفاقية “بريتون وودز”.

في الخلاصة لاتزال أدوات القوة الاقتصادية بيد الولايات المتحدة، لكن الصين تمسك بخيوط حيوية في التصنيع، والتكنولوجيا النظيفة، وسلاسل الإمداد.

ليست الحرب التجارية التي فجّرها ترامب في 2 أبريل سوى فصل جديد من “صراع العروش التجارية” بين البلدين، ولا تبدو معالم المنتصر فيه واضحة، لكن الواضح أنه سباق سيغير شكل الاقتصاد العالمي إلى الأبد.


اكتشاف المزيد من أخبار حياة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أخبار حياة