الأمن السيبراني في عصر التوأم الرقمي: استراتيجيات حماية البيانات في الأردن في عالم مترابط رقمياً.

د. لبنى حنا عماري
يشهد العالم في السنوات الأخيرة تحولًا رقميًا هائلًا، أصبح فيه الاعتماد على الأنظمة الرقمية والتقنيات الحديثة جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية. وفي هذا السياق، يبرز مفهوم “التوأم الرقمي” الذي يمثل النسخ الرقمية لأنظمة وأشياء حقيقية، ما يتيح مراقبة وتحليل البيانات في الوقت الحقيقي عبر الشبكات المتصلة.
من خلال هذه التكنولوجيا، يمكن إنشاء نماذج افتراضية للكثير من العمليات الفيزيائية، سواء في المجال الصناعي أو الصحي أو الحكومي. ولكن مع التوسع في استخدام هذه التقنيات، يزداد القلق حول قضايا الأمن السيبراني وحماية البيانات من المخاطر المتزايدة التي تهدد الأنظمة الرقمية. في الأردن، كما في باقي دول العالم، يتعين وضع استراتيجيات فعالة لحماية البيانات وضمان أمانها في عالم مترابط رقميًا، وهو ما يجعل الأمن السيبراني في العصر الرقمي موضوعًا ذا أهمية قصوى.
لقد أصبح الإنترنت جزءًا لا يتجزأ من حياة الأفراد في الأردن، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات. حيث يشهد القطاع العام والخاص زيادة في استخدام الأنظمة الرقمية والاتصالات عن بُعد لتحقيق التواصل وتبادل البيانات. وتبعًا لذلك، زادت الحاجة إلى ضمان أمان البيانات وحمايتها من الهجمات الإلكترونية التي قد تؤدي إلى سرقة معلومات حساسة أو إلحاق الضرر بالأنظمة الحكومية أو التجارية.
في هذا السياق، يُعد التوأم الرقمي سلاحًا ذو حدين، إذ يوفر فرصًا كبيرة لتحسين الإنتاجية والابتكار في مختلف القطاعات، لكنه في ذات الوقت يعرض الأنظمة والبيانات للمخاطر. فمن خلال تكنولوجيا التوأم الرقمي، يمكن للأفراد والمؤسسات مراقبة أنظمتهم في الزمن الحقيقي، مما يسهل اتخاذ القرارات الفعّالة. ولكن مع وجود هذه الشبكات الرقمية المتصلة، فإن الهجمات السيبرانية تصبح أكثر تعقيدًا وتشكل تهديدًا متزايدًا لكل من الأفراد والدول.
ومع أن الأردن قد أحرز تقدمًا ملحوظًا في مجال الأمن السيبراني وفقًا لتقرير الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) لعام 2024، حيث تقدّم الأردن 44 مركزًا ليحتل المرتبة 27 عالميًا في مؤشر الأمن السيبراني العالمي (GCI)، مقارنة بالمرتبة 71 في تقرير عام 2020 ورغم التقدم الذي أحرزه الأردن في تطوير القوانين والتشريعات المتعلقة بالأمن السيبراني، إلا أن الحاجة إلى تحديثها باستمرار تظل قائمة لمواكبة التطورات التكنولوجية وطرق الهجوم الجديدة.
وفي ضوء هذه التحديات، يجب على الأردن أيضاً أن يولي اهتمامًا بالغًا في تدريب الكوادر البشرية المختصة في مجال الأمن السيبراني. فالقدرة على تحديد واكتشاف الهجمات في الوقت المناسب تعد أحد الأسس التي تبنى عليها استراتيجيات الأمان الرقمي. وفقًا لدراسة صادرة عن مؤسسة “Cybint Solutions”، فإن 60% من الهجمات الإلكترونية يمكن تجنبها من خلال التدريب المستمر والتوعية لأفراد المؤسسات المختلفة. لذلك، من الأهمية بمكان أن تقوم المؤسسات في الأردن بتطبيق برامج تدريبية متخصصة في الأمن السيبراني، تشمل كافة العاملين من موظفين وتقنيين على حد سواء. ومن أجل تعزيز ذلك، يجب أن يكون هناك تعاون بين المؤسسات التعليمية والقطاع الخاص لإعداد برامج تعليمية توفر المهارات اللازمة لمواجهة التحديات الرقمية الحديثة.
تعد البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات في الأردن من الأمور الأساسية التي يتوجب تطويرها باستمرار للحفاظ على الأمن السيبراني. فالشبكات الوطنية وأنظمة البيانات الحكومية بحاجة إلى تحسينات من حيث الأمان والقدرة على التصدي للهجمات. تشمل هذه التحسينات استخدام تقنيات حديثة مثل الذكاء الاصطناعي (AI) الذي يمكن أن يساعد في اكتشاف الأنماط غير الطبيعية أو الهجمات المتطورة بشكل سريع وفعال. كما يمكن لتقنيات البلوك تشين أن تلعب دورًا هامًا في تعزيز الأمان السيبراني، حيث توفر هذه التقنية طريقة آمنة لتخزين البيانات ومعاملاتها، مما يقلل من مخاطر التلاعب أو التغيير غير المصرح به في المعلومات.
إضافة إلى ذلك، أصبح من الضروري أن يتبنى الأردن استراتيجيات استباقية في التعامل مع الأمن السيبراني. وبذلك يجب ألا يكون التصدي للهجمات الإلكترونية مقتصرًا على الردود الفورية فقط، بل يجب أن يتم العمل على بناء أنظمة رقمية آمنة منذ البداية. هذا يتطلب التخطيط المستدام والاستثمار في تقنيات الدفاع السيبراني المبتكرة، مثل إنشاء مراكز استجابة سريعة للطوارئ الرقمية قادرة على معالجة أي تهديدات تظهر بشكل فوري.
على الصعيد العالمي، يشهد الأمن السيبراني تقدمًا كبيرًا في مجال التكنولوجيا والتطبيقات الحديثة التي تساهم في تعزيز الأمان الرقمي، وهو ما يفرض على الأردن ضرورة مواكبة هذه التطورات. ولكن النجاح في هذا المجال لا يعتمد فقط على الاستثمار في التكنولوجيا، بل يتطلب أيضًا التزامًا حكوميًا قويًا يعزز من تطبيق القوانين وتوفير الدعم المالي لتطوير الأنظمة والبنية التحتية.
لا بد من الإشارة إلى أن الأمن السيبراني في عصر التوأم الرقمي لا يقتصر فقط على حماية الأنظمة من الهجمات السيبرانية، بل يشمل أيضًا حماية الخصوصية الشخصية للبيانات. حيث تعتبر حماية الخصوصية أمرًا ذا أولوية نظرًا للتهديدات التي تواجه الأفراد والمؤسسات جراء استخدام الإنترنت بشكل غير آمن. في هذا السياق، يُعتبر تحديث قانون حماية البيانات الشخصية خطوة أساسية لضمان حماية المعلومات الشخصية وتحديد كيفية استخدامها من قبل الجهات المختلفة.
في الختام، لا يمكن تجاهل أهمية الأمن السيبراني في عصر التوأم الرقمي. فالأردن، مثل غيره من الدول، بحاجة إلى تطوير استراتيجيات شاملة لحماية بيانات المواطنين والمؤسسات من الهجمات السيبرانية المتزايدة. من خلال تعزيز التشريعات الوطنية، تدريب الكوادر البشرية، وتطوير البنية التحتية التكنولوجية، يمكن للأردن أن يضمن بيئة رقمية آمنة تدعم الابتكار والنمو الاقتصادي. إن هذا المسعى يتطلب التزامًا جماعيًا من الحكومة، القطاع الخاص، والمجتمع المدني لضمان تحقيق هذا الهدف في عالم مترابط رقميًا.