تطوير نموذج ذكاء اصطناعي محلي في الأردن: ضرورة استراتيجية للأمن الرقمي والابتكار

د. لبنى حنا عماري
في ظل التحول الرقمي المتسارع الذي يشهده العالم، أصبح الذكاء الاصطناعي عنصرًا أساسيًا في تطوير القطاعات المختلفة وتعزيز كفاءة الخدمات المقدمة سواء في القطاع الحكومي أو الخاص ومع تزايد الاعتماد على هذه التقنيات، برزت الحاجة إلى تطوير نماذج ذكاء اصطناعي محلية تضمن حماية البيانات وتعزز السيادة الرقمية خاصة في الدول التي تسعى إلى تحقيق الاستقلال التكنولوجي وضمان أمن معلوماتها ومن هذا المنطلق، يمثل إنشاء نموذج ذكاء اصطناعي محلي في الأردن خطوة استراتيجية بالغة الأهمية نحو مستقبل رقمي أكثر أمانًا واستدامة.
يعتمد الأردن على العديد من التقنيات الذكية في مختلف القطاعات، بدءًا من تحليل البيانات في المؤسسات الحكومية وصولًا إلى تطوير حلول متقدمة في مجالات البنوك والتعليم والرعاية الصحية والتسويق ومع ذلك، فإن معظم أنظمة الذكاء الاصطناعي المستخدمة تعتمد على خوادم أجنبية، ما يثير تساؤلات حول أمن البيانات وحماية الخصوصية وتوافق هذه التقنيات مع القوانين الوطنية وبالنظر إلى التجارب الإقليمية الناجحة، مثل النموذج الذي تبنته المملكة العربية السعودية عبر استضافة نموذج الذكاء الاصطناعي “عقل” على خوادم محلية، تبرز إمكانية تطبيق تجربة مشابهة في الأردن لضمان أمن البيانات وتعزيز القدرات التقنية المحلية.
وتضيف عماري إن تطوير نموذج ذكاء اصطناعي مستضاف محليًا سيساهم في تعزيز الاستقلال الرقمي وتحقيق فوائد ملموسة على عدة مستويات فعلى صعيد القطاع الحكومي، يمكن لهذا النموذج أن يدعم تحليل البيانات الضخمة واتخاذ القرارات المستندة إلى الأدلة بشكل أكثر دقة وكفاءة مما يسهم في تحسين السياسات العامة وتطوير الخدمات الإلكترونية كما يمكن أن يشكل هذا النموذج أداة قوية لمؤسسات القطاع المصرفي من خلال تحسين عمليات تحليل المخاطر وتطوير أنظمة أمان أكثر ذكاءً لمكافحة الاحتيال المالي وتعزيز تجربة العملاء عبر حلول تعتمد على الذكاء التفاعلي وفي مجال التعليم، سيساهم الذكاء الاصطناعي المحلي في تطوير منصات تعليمية ذكية قادرة على تقديم محتوى مخصص وفق احتياجات كل طالب مما يعزز من جودة التعليم الإلكتروني ويخلق تجربة تعليمية أكثر كفاءة وتفاعلًا أما في القطاع الصحي، فسيكون للنموذج المحلي دور محوري في تحسين التشخيص الطبي وتحليل السجلات الصحية بطرق أكثر دقة وسرعة مما يسهم في رفع مستوى الرعاية الصحية واتخاذ قرارات علاجية قائمة على بيانات موثوقة وفي قطاع التسويق، يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل سلوك المستهلكين واقتراح استراتيجيات تسويقية أكثر فاعلية وتوجيه المنتجات والخدمات بناءً على تفضيلات العملاء الفعلية.
إلى جانب هذه الفوائد المباشرة، فإن إنشاء نموذج ذكاء اصطناعي محلي سيسهم في تحفيز الأبحاث والابتكارات في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي داخل الأردن من خلال توفير بيئة تجريبية آمنة للمطورين والباحثين يمكن أن يؤدي ذلك إلى تطوير تطبيقات جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لحل المشكلات المحلية وتعزيز تنافسية الشركات الناشئة والمؤسسات التكنولوجية الأردنية كما يمكن أن يشجع الاستثمارات الأجنبية في قطاع التكنولوجيا المحلي، حيث ستوفر البنية التحتية الرقمية القوية بيئة مناسبة لنمو الشركات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي.
إن بناء نموذج ذكاء اصطناعي محلي في الأردن يتطلب استثمارات في البنية التحتية السحابية وتعزيز الكفاءات الوطنية في مجالات علوم البيانات والتعلم الآلي كما يستدعي وضع إطار قانوني وتنظيمي يحدد سياسات استخدام الذكاء الاصطناعي ويحفظ حقوق الأفراد والشركات في بيئة رقمية آمنة، إن هذه الخطوة لن تساهم فقط في حماية البيانات الوطنية من مخاطر التسرب أو الاختراق بل ستدعم أيضًا الاقتصاد الرقمي وتعزز من قدرة الأردن على المنافسة في سوق التكنولوجيا العالمية كما أن تطوير مثل هذا النموذج سيخلق فرص عمل جديدة في قطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وسيسهم في دفع عجلة البحث والتطوير في مجالات متعددة.
إضافة إلى ذلك، فإن امتلاك نموذج ذكاء اصطناعي محلي سيساعد على تطوير حلول مخصصة تتناسب مع احتياجات السوق الأردني بدلاً من الاعتماد على نماذج أجنبية قد لا تتوافق تمامًا مع طبيعة البيانات المحلية أو متطلبات المستخدمين كما أن الاستضافة المحلية ستضمن استجابة أسرع وتوافرًا أكبر للخدمات القائمة على الذكاء الاصطناعي، مما يعزز من ثقة المؤسسات والأفراد في تبني هذه التقنيات في حياتهم اليومية وأعمالهم التجارية.
إن التحول نحو نموذج ذكاء اصطناعي محلي لا يمثل مجرد خيار تقني بل هو ضرورة استراتيجية لضمان السيادة الرقمية والابتكار التكنولوجي في المستقبل ومع توفر الإرادة السياسية والكوادر التقنية القادرة على الابتكار، فإن الأردن يمتلك الإمكانيات التي تؤهله لأن يكون رائدًا في تبني نموذج ذكاء اصطناعي محلي يواكب متطلبات العصر ويعزز من أمنه الرقمي واستقلاله التكنولوجي.