أخبار حياة – رغم مرور عدة أسابيع على إصابتها بهجوم وعض كلاب الاحتلال الإسرائيلي، لا تزال الفلسطينية أم حسن تعاني آلاما جسدية ونفسية مما واجهته.
أم حسن لديها ثلاثة أطفال تسكن في مدينة خانيونس، وتعرض منزلها لقصف الاحتلال المدفعي الأمر الذي جعله غير صالح للسكن.
تتذكر أم حسن تفاصيل مأساتها التي وقعت في 24 أكتوبر الماضي، عندما شن جيش الاحتلال الإسرائيلي هجومًا مفاجئًا على منطقة سكنها في حي المنارة في خانيونس.
تقول: بشكل لا يصدق ولا يوصف بدأنا نسمع أصوات جنازير الدبابات وطائرات الكواد كابتر تحاصر منطقة حي المنارة بشكل كامل والمليئة بالعوائل المتواجدين في بيوتهم، وفق شهادة نشرها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.
في ذلك اليوم، بدأ جيش الاحتلال قصف البيوت بالقذائف المدفعية والطائرات الحربية منها منزلا لعائلة الفرا مجاور لمنزل أم حسن، واستشهد فيه 13 شخصا أغلبهم من الأطفال.
تقول: قصف الاحتلال الطابق الثاني من بيتنا بالقذائف المدفعية حيث كنا ما يقرب الـ 20 شخصا في الطابق الأرضي مع أولادي وزوجي وإخوتي وأهل زوجي.
تضيف: كنا محاصرين في المنزل، ومن شدة القصف المدفعي المتواصل، اختبأنا جميعاً في الحمام، وبقينا فيه حتى الساعة الـ 10 مساءً. وفجأة أدخلت قوات الاحتلال كلبا مُزوداً بكاميرا للبحث في أرجاء المنزل. وقف أمامنا وتوجه إلينا وعندها قام بعضّ أختي الصغيرة (17 عاما) وهي متزوجة وكانت حاملاً أيضا.
بأسى ومرارة تتذكر ما حدث في ذلك اليوم: هجم الكلب عليَّ، وعضني في فخذي، ما تسبب في جروح بليغة وأدى إلى نزيف حاد. علماً بأنني كنت حاملاً في شهري التاسع أيضاً.
ضرب زوج أم حسن الكلب بأقدامه بشدة وكذلك تصدى أهل زوجها للكلب بضربه بالعصي، ولكنه لم يتركها أبدا وسط صراخ أطفالها الصغار الذين أصابهم الرعب والخوف الشديد.
تضيف: بعد ذلك قام الكلب بسحبي من الحمام مسافة 15 مترا وأحكم قبضته على قدمي وعندها أحسست بأن لحم قدمي قد خرج من مكانه بشكل كامل وبدأت قدمي تنزف الدماء بشكل كثيف ومرعب في كل أرجاء البيت وبقي الكلب محكما قبضته على قدمي لمدة تقرب الـ 10 دقائق ولم يكن أحد يستطيع أن ينتزع فكه من قدمي.
تتابع: استمر ذلك حتى سمعنا صوت أقدام الجنود تصعد على درج المنزل، ثم دخلوا علينا بأعداد كبيرة، جاء ثلاثة منهم لينتزعوا فك الكلب من قدمي. لم يستطيعوا القيام بذلك حتى جاء الجندي الرابع، وهو المسؤول، وانتزع الفك بقوة.
عندها رأت أم حسن قدمها، وكان الجرح عميقًا، حيث تم حفر فخذها بعمق 8 سنتيمترات وبطول 12 سنتيمترًا، كما أخبرها الأطباء فيما بعد.
تقول: كان منظر قدمي مروعًا، شعرت وكأنها ستُقطع بسبب شدة الجرح. كما بدا لي أن الكلب كان يمضغ اللحم من فخذي، وكانت الأرض مغطاة بالدماء بشكل فظيع. كنت أصرخ من الألم بأعلى صوتي، وفي نفس الوقت شعرت بأنني قد أفقد طفلي بسبب النزيف الحاد الذي كنت أعاني منه.
بعد ذلك، احتل الجنود البيت والسيطرة عليه بالكامل، وصعدوا إلى سطحه بأعداد كبيرة، وبدأوا بإطلاق الرصاص بشكل عشوائي في كل الاتجاهات، بالإضافة إلى القصف المدفعي الذي استمر بلا توقف منذ لحظة اقتحامهم حتى مغادرتهم، مما دام حوالي 7 ساعات.
تشير أم حسن أنه كان هناك حصار كامل للمنطقة، وقالت: لم نكن نعلم مصير العائلات المجاورة إذا كانوا أحياء أم أموات.
وقالت إن جنود الاحتلال نادوا الرجال من داخل وخارج المنزل، وعزلوهم في غرفة، بينما وضعوا النساء مع أطفالي في غرفة أخرى. كان الأطفال في حالة صدمة كبيرة من الأحداث، واستمروا في الصراخ والبكاء.
وأضافت: كنت أصرخ من الألم والنزيف، وبدأت أغيب عن الوعي شيئًا فشيئًا. جاء الضابط مجددًا وقال لي إنه إذا تحدثت عما حدث وأخبرت الناس أن الجنود هم من أطلقوا الكلب علي، فإنهم سيأتون ويعذبونني، وسيقتلون أطفالي وعائلتي كلها. كان يهددني بأنه سيصل إليَّ أينما كنت، وكنت أعتقد أنهم سيقتلونني.
وفي الساعة 2:30 فجرًا، بعد تهديداتهم، انسحبت قوات الاحتلال من المنزل. اعتقلوا زوج أم حسن مع شاب من عائلة الفرا، وغادروا تحت القصف المدفعي الذي لم يتوقف لحظة.
بدأ الأطفال في البكاء والصراخ خوفًا على والدهم، وكانوا في حالة رعب شديدة. وبقيت والدتهم لا تعرف أي شيء عن زوجها حتى الساعة السابعة صباحًا، حيث بدؤوا سماع أصوات سيارات الإسعاف، عندها علموا أن الجيش قد انسحب من الحي، فخرج أهلها لإحضار سيارة الإسعاف ونقلها إلى مستشفى ناصر.
تقول: أثناء خروجي تفاجأت بأعداد كبيرة من الشهداء من الأطفال والنساء والشيوخ المُلقون على الأرض وبدأ الجيران بانتشال شهدائهم حيث كانوا ما يقرب ال 35 شهيدا من عوائل أبو عابدين وعويضة والفرا.
في المستشفى، صُدم الأطباء من شدة الجرح وخطورته، تقول أم حسن، مبينة أنها كنات تعاني من آلام شديدة نتيجة الحمل.
وأضافت: بعد فحصي، أخبروني أنني أعاني من ارتفاع ضغط الدم وأنني كنت في مرحلة تسمم الحمل نتيجة النزيف الحاد وعضة الكلب في فخذي. وقال لي الأطباء أن الجرح عميق جداً ويحتاج الى جراحة عاجلة وإلا سأفقد قدمي. كانوا في البداية غير قادرين على علاج الجرح بشكل مناسب بسبب نقص الإمكانيات في المستشفى نتيجة الحصار الذي يطبقه الجيش الإسرائيلي على غزة، حيث كانوا يفتقرون إلى الأدوات الطبية اللازمة مثل المطهرات والشاش والمعقمات. قاموا بتحويلي إلى مستشفى مبارك في 28 أكتوبر 2024، حيث قرر الأطباء إجراء عملية قيصرية عاجلة بسبب تسمم الحمل الذي كنت أتعرض له.
وتابعت: دخلت إلى غرفة العمليات في الساعة 9 صباحًا، وظللت في انتظار طبيب حتى الساعة 6:30 مساءً، بينما كان المكان غير نظيف تمامًا ولا يوجد سرير مناسب للولادة. بعدها أجريت العملية القيصرية، ولكن للأسف فقدت الجنين بسبب التسمم والنزيف.
بعد العملية القيصرية بثلاث ساعات، أخبرها الأطباء بأنها بحاجة إلى عملية عاجلة للجرح في قدمها، الذي كان يتطلب تدخلًا سريعًا. بسبب نقص الإمكانيات في المستشفى، أجريت العملية في نفس غرفة العمليات التي ولدت فيها “كشك الولادة”، وكانت العملية صعبة جدًا بسبب نقص المعدات والموارد، كما تقول.
بعد ساعة من العملية، نقلت أم حسن إلى العناية المركزة في مستشفى ناصر، حيث مكثت أسبوعًا حتى تحسنت حالتها. في 4 نوفمبر 2024، أفرج الاحتلال عن زوجها بعد اعتقال دام عشرة أيام، وأخبرهم أنه تم نقله إلى منطقة الحدزد مع مصر في رفح، وحقق معه.
تقول: رغم شعورنا بالسلامة الجسدية، ما زلت أعاني من حالات نفسية صعبة للغاية فأصاب بحالة هستيرية نتيجة التهديدات التي تلقيتها من الضابط والآلام الجسدية التي مررت بها. لا أستطيع أن أنسى الرعب الذي عشته وتعرض له أطفالي، خاصة طفلتي شام التي لا تزال تعاني من الخوف الشديد والتبول اللا إرادي بسبب الصدمة النفسية التي تعرضت لها. أما حالتي الصحية، فما زلت غير قادرة على المشي أو التحرك بشكل طبيعي، وأحتاج إلى تغيير الضمادات مرتين يوميًا حتى لا يصاب الجرح بالتهاب.
ولم يكن اعتقال الزوج الاعتقال الأول له خلال هذه الحرب، ففي 13 نوفمبر 2023، تقول أم حسن إن جيش الاحتلال الإسرائيلي اعتقل زوجها مع مجموعة من العمال في قلقيلية، ونقل إلى سجن “عناتوت”، ولكن أفرج عنه وعاد إليهم سالماً بعد خمسة أيام عبر معبر كرم أبو سالم.
وعانت أم حسن قبل هذا الحادث من النزوح المتكرر من منزلها في خانيونس إلى رفح ومواصي خانيونس حيث عاشوا الجوع والبرد وحر الخيام قبل أن يعودوا لمنزلهم ليجدوا أنفسهم في مواجهة معاناة جديدة.