موازنة 2025: طموحات واقعية بمواجهة اختلالات مزمنة

أحمد عوض
تأتي موازنة الدولة لعام 2025 في سياق سياسي واقتصادي مضطرب يعاني من أزمات متراكمة، لتطرح تساؤلات حول قدرتها على الموازنة بين طموحات التعافي الاقتصادي والواقعية في تقديراتها، في ظل اختلالات هيكلية مزمنة تتطلب حلولاً جذرية لا تبدو حاضرة في السياسات المالية المطروحة. ورغم محاولات التوسع في الإنفاق العام وتحفيز النمو، إلا أن الاعتماد الكبير على السياسات التقليدية يجعل الموازنة أقرب إلى الحفاظ على الوضع الراهن من تقديم حلول مستدامة.
تُظهر أرقام الموازنة زيادة بنسبة 16.5 % عن موازنة عام 2024، وهو ما يُعد خطوة جيدة في سياق التوسع في الإنفاق العام. هذا التوسع يعكس طموح الحكومة في تحريك عجلة الاقتصاد من خلال ضخ أموال إضافية في قطاعات مختلفة، لكنه في الوقت ذاته يكشف عن استمرار الاعتماد على الإيرادات الضريبية غير المباشرة كركيزة أساسية للتمويل. هذه الضرائب، مثل الضريبة العامة على المبيعات والضرائب المقطوعة، تثقل كاهل المواطنين والاقتصاد معا، خاصة الفئات الأقل دخلاً، مما يجعل الحاجة إلى إصلاحات ضريبية تضمن العدالة الاجتماعية وتحرك عجلة الاقتصاد أكثر إلحاحاً.
من ناحية أخرى، تبدو الموازنة واقعية إلى حد ما، حيث لم تبالغ في توقعاتها للنمو الاقتصادي أو تقدير الإيرادات والمنح المتوقعة، مما يمنحها قدراً من المصداقية. ومع ذلك، فإن هذه الواقعية تقف عاجزة أمام تحديات اقتصادية أعمق تتطلب استراتيجيات بعيدة المدى لمعالجتها، فعجز الموازنة المتوقع لعام 2025، الذي يبلغ 7.6 % من الناتج المحلي الإجمالي و18.2 % من إجمالي حجم الموازنة، يشير إلى استمرار المشكلة المزمنة التي تُثقل كاهل الاقتصاد الوطني منذ عقود.
الأخطر من ذلك هو مؤشرات الدين العام، الذي يُتوقع أن تبقى عند مستويات مرتفعة جدا، ان لم تلامس حاجز 120 % من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعني زيادة هائلة في كلفة خدمة الدين العام. الفوائد المتوقعة لهذا الدين ستبلغ حسب الموازنة حوالي 2.2 مليار دينار، وهو مبلغ بفوق مجموع موازنات وزارتي الصحة والتربية والتعليم مجتمعتين، مما يعكس الضغط الكبير الذي يواجه الموارد المالية للدولة. هذا الضغط لا يترك مساحة كافية للاستثمار في قطاعات حيوية يمكن أن تسهم في تحفيز النمو الاقتصادي وتحسين الخدمات العامة.
تُظهر الموازنة أيضاً نية الحكومة استدانة حوالي 8.5 مليار دينار خلال العام المقبل لتغطية عجز الموازنة وسداد الديون السابقة، وهو ما يثير تساؤلات حول استدامة هذا النهج. استمرار الاستدانة بهذا الشكل يعكس غياب رؤية واضحة لمعالجة جذور الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، ويؤدي إلى تفاقم الأعباء المالية على المدى البعيد، ما يضعف قدرة الحكومة على مواجهة التحديات المستقبلية.
كان من المتوقع أن تتبنى الحكومة سياسات مالية جديدة تهدف إلى دفع عجلة النمو الاقتصادي والخروج من حالة التباطؤ الاقتصادي المستمرة منذ أكثر من 15 عاماً. ومن أبرز هذه السياسات المطلوبة تخفيض الضرائب غير المباشرة وتعزيز الإيرادات المباشرة من خلال إصلاحات ضريبية شاملة. ومع ذلك، لم تأتِ الموازنة بأي تغييرات جوهرية في هذا السياق، مما يجعلها استمراراً لنهج تقليدي في مواجهة التحديات.
في ضوء هذه المؤشرات، يمكن القول إن موازنة 2025 تعكس طموحاً محدوداً بالواقع الاقتصادي الصعب. ورغم بعض الإيجابيات مثل الواقعية في التقديرات، واتخاذ الحكومة لقرارات خلال الشهرين الماضيين لتحفيز بعض القطاعات الاقتصادية، إلا أن استمرار السياسات التقليدية واعتمادها على الديون يحد من قدرتها على تحقيق التعافي الاقتصادي المنشود.
المطلوب الآن استراتيجية مساندة لرؤية التحديث الاقتصادي تعالج الاختلالات الهيكلية وتضع أسساً لتنمية مستدامة تضمن العدالة الاجتماعية والاقتصادية. هذه الاستراتيجية ضرورة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في المستقبل.