مقالات

عمل الخير في طريقه إلى الزوال

صار النصب والاحتيال والغش والخداع والكذب.. في البلاد مهنة عند كثير من الناس، ومهنة مجزية أيضاً عند فئات ليست معدمة أو فقيرة أو أمية. إن كلاً من أفراد هذه «المهن» في سباق مع أنفسهم ومع أمثالهم في الإبداع والابتكار لأساليب ووسائل متطورة للنصب والاحتيال والغش والخداع والكذب.. وبحيث تنطلي على أكثر الناس حذراً وخبرة وضحية لأصحاب هذه المهن فيقعون في حبائلها وشبكاتها.

ولكثرة ما يطرق بابك من هؤلاء أو يوقفونك في الشارع فإنك تجد نفسك مضطراً لاتخاذ قرار بعدم الاحسان إلى أحد مهما توسل لديك، أو حتى إذا حاول تقبيل قدميك، فهم لا يخجلون ولا يستحقون.

مثل هذا القرار سيوقف العمل الخيري في المجتمع، وبخاصة لمن يعانيه ويسمع عنه أو يقرأ عن فساد مستدام في القطاع العام والقطاع الخاص أو في الإدارات والشركات العامة والخاصة.

وأضاف محدثي: ومع هذا، أي على الرّغم من هذا القرار، فقد تُخدع وتدفع، فقبل أيام دقت على باب دارنا امرأة تبدو أنيقة ونظيفة ومتعلمة طالبة الدخول، بعدما ادعت أنها تسكن في شارعنا، وأنها من عائلة كذا المعروفة لدي، فقربناها وضيفناها، لتدعي بعدها أنها بحاجة إلى خمسين ديناراً مكسورة عليها من أجرة الشقة، وستدفعها لنا فيما بعد، لنكتشف بعد مغادرتها أنها لفت على الجيران وحصلت على ما فيه من «النصيب».

وأضاف: وفي اليوم التالي دق على باب دارنا طفل يحمل وعاء يدعي أنه عسل من إنتاج ذويه، وأن كيلو غرام ونصفا منه هدية لنا منهم، والكيلو غرام الباقي في الوعاء ثمنه خمسة وعشرون ديناراً طبعاً رفضنا، وهكذا تستمر الحال.

وكما ترى صار هؤلاء يعلمون أطفالهم مهارات النصب والاحتيال والغش والخداع والكذب، فلا تقل لي إنهم يفعلون ذلك لأنهم معدمون أو فقراء، فالمعدمون أو الفقراء عفيفون، وتعرفهم من أسلوبهم في طلب المساعدة. أما النصابون والمحتالون والغشاشون والخداعون والكذابون فيعرفون عنك مسبقاً من اسمك على مدخل البيت أو من أحد الجيران السذج، ويخططون للانقضاض عليك بالأسلوب أو الوسيلة التي قد تنطلي عليك. وهم بهذه المهنة يكسبون ويحصلون على ثراء سريع كما الذين يتظاهرون بأن سيارتك صدمت أحدهم، ثم تهجم شلة عليك لتسوية المشكلة فتدفع مئات الدنانير لتخلص إذا كنت مغفلاً وصدقت ولم تطلب الشرطة لهم. حسنا فعلت الحكومة بإضافة هذا النصب والاحتيال إلى قانون العقوبات.

ومن غرائب النصب والاحتيال والغش والخداع والكذب الثقافي.. اتصال أحدهم بك لإجراء مقابلة تلفزيونية معك موحياً لك أنه من التلفزيون الأردني، وأن فريقه سيزورك لتسجيل المقابلة في البيت، مدعياً كل منهم بعد الوصول والدخول أنه من عائلة كذا أو كذا، وان هذه الفتاة التي ستجري المقابلة معك هي من عائلة كذا، وأنهم أجروا مقابلات مع فلان وفلان وفلان… فتصدقهم، وما ان يبدو عليك ذلك يطلبون منك دفع المبلغ الذي تقدر عليه لهم لتغطية تكاليف المقابلة. وقد خدعت شخصيات معروفة كثيرة، اضطر البعض بعد ذلك إلى رفع دعوى عليهم في المحكمة بعدما سلبوا منه ثلاثة آلاف دينار.

أمام هذا المد المتعاظم من النصب والاحتيال والغش والخداع والكذب سوف يختفي الاحسان والعمل الخيري من المجتمع، وأخذ كثير من الناس يتذرعون بحمل بطاقة شراء وليس معهم نقود يدفعونها للسائل. ربما صار لازماً سن قوانين تنظم عمل أفراد هذه «المهن» وترخص عملهم لإضفاء الشرعية عليه وبحيث تحصل الدولة منهم على الضرائب المستحقة عليهم من تراخيص ومداخيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى